من دفتر الوطن

الواقعية.. قانون الحياة

| عبد الفتاح العوض

معظم الدول في العالم اتبعت نظرية الواقعية السياسية، وقد أثبتت هذه النظرية نجاحات كثيرة رغم أنها قد تتنافى في كثير من الأحيان مع المبادئ والقيم العليا، لكن هذا حال واقع السياسة بشكل أو بآخر، تتلاقى مع الأخلاق وتفترق في أحيان أخرى، وفي هذه الفترة خلال العقود الأخيرة بدا الافتراق شاسعاً والهوة كبيرة جداً بين الأخلاق والسياسة.

ولعلنا ونحن نتابع العربدة والصمت حيالها يدلل بشكل أو بآخر على أن العالم لا يعترف إلا بمبادئ القوة التي هي أساس نظرية الواقعية السياسية.

في سورية لا يتم الحديث كثيراً عن السياسة الخارجية المتبعة على اعتبار أنها سياسة تعرف ماذا تريد وقد حددت بشكل غير قابل للشك العدو من الصديق، وقد تلاقى ذلك بين صانع السياسة وبين الحس الشعبي الذي يدعم هذه السياسة ويتبناها ويؤمن بها.

في هذه الآونة والعالم على ما فيه من تغيرات تبدو كبيرة، وإن كانت في سياقها العام تنسجم مع ما قبلها، إلا أننا بحاجة ماسة إلى نقاش حول الواقعية في السياسة السورية، وهذا لا يعني تغييراً في المبادئ ولا يعني التخلي عنها ولا يعني تبديلاً في الأهداف، ولكن ربما يكون في الطرق للوصول إلى هذه الأهداف.

النقاشات بين المثقفين السوريين حول مثل هذه الموضوعات لا تبدو واسعة، من أمثلتها الأخيرة النقاش بين الدكتورة الفاضلة ناديا خوست والدكتور الراقي مهدي دخل الله.

ومن باب الاقتراح يمكن لوزارة الخارجية وللمعهد الدبلوماسي فيها أن يبدأ بإجراء حوارات شفافة وصريحة حول هذه الموضوعات المهمة، لكن ثمة أشياء لا يمكن الاستغناء عنها، أولها إن البيت الداخلي يحتاج إلى تحصين فكري واقتصادي في هذا المجال، وإن الخطاب الحالي لا يساعد كثيراً على إعادة الألق للمشاعر والمعتقدات التي تربى عليها السوريون.

وبدأنا نلحظ تباينات لم تكن موجودة سابقاً، ولعل الحرب على سورية كانت العامل الأهم الذي أدى إلى ذلك، بل كان أحد أهدافها الوصول إلى مرحلة التباين الفكري.

النقطة الأخرى التي لا ينبغي الاستغناء عنها هو اعتبار الغرب وحتى الآن على الأقل ليس صديقاً، وإن التأخر في الوصول إلى تعدد القطبية العالمية يجب ألا يغير من قناعاتنا في التحالفات التي تسير في الاتجاه الصحيح. وجميعنا يدرك أنه في الأوقات التي يكثر فيها دخان الحروب وضباب السياسة فإن المعالم الحقيقية لا تظهر واضحة للجميع.

في وضوح أكثر، الخطاب السوري الآن يتحدث عن الواقعية، لهذا فإن النظرية الواقعية صالحة لمزيد من الحوار في السياسة والاقتصاد والثقافة والفكر وكل ما يتعلق بالسوريين، لكن كل ذلك يحتاج إلى حوار نخبوي وطني شفاف وصريح، مستعيداً الاقتراح بأن ينظم المعهد الدبلوماسي في وزارة الخارجية ندوات حول هذه القضايا.

أخيراً.. الواقعية ليست نظرية للسياسة فقط.. هي قانون الحياة.

أقوال:

• «الواقعية هي فن رؤية الأشياء كما هي، وليست كما نريدها أن تكون».

• «السياسة هي فن الممكن، والأدب هو فن المستحيل».

• «في عصرنا لا يوجد شيء اسمه بعيداً عن السياسة، كل القضايا هي قضايا سياسية».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن