عام على العدوان.. حرب الحديد على الحجر
| منذر عيد
ثمة سؤال يطرح نفسه عقب مضي عام على حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، ما الذي أنجزه جيش الاحتلال الإسرائيلي بفعله الإرهابي وتدمير القطاع وتحويله أثراً بعد عين، أين هو من الشعارات التي رفعها رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو بإعادة الأسرى الصهاينة، وتدمير حركة حماس، وماذا حل بالمستوطنين الصهاينة الذين هربوا من مستوطنات محيط غزة، وأين هي قوة الردع الإسرائيلية وعنجهية الجيش الذي لا يقهر؟
في سرد بعض الوقائع التي تمكننا من الإجابة عن السؤال السابق، والعديد من الطروحات حول النتائج التي حصدها الكيان نتيجة عام من الإرهاب، يمكن الإشارة إلى عودة قوات الاحتلال الإسرائيلي في عملياتها العسكرية إلى بنك أهدافها الذي عملت عليه في اليوم التالي لـ«طوفان الأقصى» وهو قصف المقصوف، وتدمير المدمر، في شمال قطاع غزة، وبالكم الهائل ذاته من حجم الصواريخ والمقذوفات وفرط القوة، وكأنها تقوم بعملياتها لليوم الأول، ما يدلل على أن أياً من أهدافها في غزة لم يتم إنجازه، وبأنها ما زالت تبحث عما تبتغيه من دون رشد أو دليل.
عام مضى من الإجرام الصهيوني على غزة، وما زالت المقاومة اليوم في اليوم الأول للعام الثاني، كأنه اليوم التالي لعملية «طوفان الأقصى»، لجهة استهدافها تل أبيب والمستوطنات في غلاف غزة، وفي استهدافها للقوات البرية الإسرائيلية المتوغلة في عمق القطاع، لتؤكد مواقع إعلامية إسرائيلية أن حماس مازالت تمتلك مئات الصواريخ وقذائف الهاون من مختلف الأنواع، وهي تعمل على مدار الساعة لإعادة خط الإنتاج، وفي ظل جميع تلك الحقائق تواصل المقاومة مقاومتها وحربها مع العدو الصهيوني في حرب استنزاف كبدت اقتصاده خسائر كبيرة، وعجزاً كبيراً في الميزانية، سوف يحتاج لسنوات وسنوات على تفادي تلك الخسائر وترميم ما لحق به من كوارث، إن وجد متسعاً من الوقت أمامه لفعل ذلك.
حقائق هزيمة القوات الإسرائيلية، أو فشلها في تحقيق مبتغاها في غزة، أعلنه أغلبية المستوطنين الإسرائيليين، إذ أكد استطلاع أن «73 بالمئة من الإسرائيليين يعتقدون بأن إسرائيل فشلت أمام حماس»، وأكد 86 بالمئة من الإسرائيليين أنهم غير مستعدين للعيش في «غلاف غزة» بعد انتهاء الحرب، وهذا يضاف إلى مغادرة مئات الآلاف من الإسرائيليين الكيان، من دون عودة، وكل ذلك في مؤشر على أن حجم الوجع في الداخل الصهيوني كبير جداً، تلك الحقيقة طالما حاول قادة الكيان إخفاءها.
عجز آلة الحرب الإسرائيلية عن تحقيق أي إنجاز في غزة، دفع بها للتوجه شمالاً، إلى جبهة الإسناد اللبنانية، والمواجهة مع حزب الله، الذي تمكن بالسيطرة على شمال فلسطين المحتلة بالنار، ودفع بمئات آلاف المستوطنين إلى النزوح جنوباً، ليتحول ورقة ضغط إضافية على نتنياهو المثقل بالكثير من الضغوط من قبل أهالي الجنود الأسرى، والحالة الاقتصادية المتهالكة.
في الشمال حاول نتنياهو إزاحة الاهتمام عن غزة، فعمد على استخدام فرط العدوان على المقاومة اللبنانية، باغتيال قادة حزب اللـه وعلى رأسهم أمينه العام الشهيد حسن نصر الله، وصولاً إلى شن غارات أحدثت دماراً كبيراً في مناطق لبنانية عدة، وفي مقدمتها الضاحية الجنوبية، والهدف من ذلك إرسال رسالة أن استمرار دعم المقاومة في غزة، سوف يجعل من لبنان أو الضاحية الجنوبية لبيروت غزة ثانية.
قد يقول البعض إن الأمور خرجت عن سيطرة نتنياهو، وبأن الأمور ما عادت شأناً إسرائيلياً، بمعنى أن قرار وقف الحرب والعدوان على دول المنطقة بات بيد الولايات المتحدة الأميركية، ليس لجهة رغبتها في وقف الحرب، بل على العكس لجهة استمرارها، وذلك لسبب بسيط وهو أن الإدارة الأميركية أياً كان لونها جمهوري أم ديمقراطي، تعي جيداً أن وقف الحرب يعني إعلان هزيمة بالكيان، وتدمير قاعدتها العسكرية المتقدمة في المنطقة، وعليه فإن الولايات المتحدة ستخسر جميع مصالحها في المنطقة، وتخسر ورقة الضغط و«الفزاعة» التي تلوح بها في وجه العديد من دول المنطقة، كما أن واشنطن تلك ترى في الوضع الحالي الفرصة السانحة والتاريخية للضغط على إيران وتجريدها من مشروعها النووي، بل والدفع بها إلى التخلي عن فكرة دعم المقاومة في لبنان وفلسطين.
لا أفق واضح لما يجري في المنطقة، وسط طبول الحرب التي تقرع على جميع الجبهات، والأكثر وضوحاً بعد مضي عام على العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان وباقي دول محور المقاومة، هو أن هناك حرباً تقوم بها آلة حديدية صهيونية على أحجار ولحم أطفال في دول الجوار.