الشرق الأوسط بالمنظور الصهيوني ودلالات «يوم القيامة»
| محمد نادر العمري
كان لافتاً في الآونة الأخيرة أن يتحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عن وجود مشروع لدى حكومة الاحتلال اليمينية المتطرفة بتغيير معالم الشرق الأوسط، وهو ما يعيدنا في الذاكرة إلى فترتين مهمتين شهدتهما المنطقة، الأولى هي ما حصل بعد أحداث 11 أيلول 2001، وما تلاها من غزو أميركي لأفغانستان والعراق، عندما طرح الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن ما عرف بتلك الفترة بتقسيم دول العالم إلى دول الشر ودول الخير، واحتلاله للعراق عام 2003، وتهديد دول المنطقة بما في ذلك سورية وإيران بإحداث تغييرات جذرية في بنية النسق السياسي القائم من خلال انتهاج سياسة الدومينو، أما الفترة الثانية فتتمثل بعدوان تموز 2006، وما تم كشفه عن مشروع أميركي عبرت عنه وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك كونداليزا رايز بخلق شرق أوسط جديد، وما شهدته المنطقة فيما بعد من تطورات تتعلق باستهداف النسيج الداخلي والاستقرار الأمني للدول بما سمي «الربيع العربي»، وذلك بهدف إحداث هذا التغيير لمعالم الشرق الأوسط من خلال مسارين، أولهما محاولة تغيير الأنظمة السياسية وتهيئة الأجواء لتولي أنظمة دينية للسلطة في هذه الدول ولاسيما «الإخوان المسلمين»، وذلك لتعزيز النزاعات والصراعات الدينية المتطرفة على مستوى المنطقة ما يسوغ عنصرية إسرائيل في المنطقة من جانب، ومن جانب آخر لاستنزاف دول هذه الرقعة الجغرافية وإبقائها في حال فوضى واضطراب، أما المسار الثاني فيتمثل في نشر الإرهاب وجعله عابراً للحدود الجغرافية السياسية ما يؤدي لتقويض أمن الدول المحيطة بالكيان الإسرائيلي.
بالعموم، هذا الطرح الذي يكرره نتنياهو من تغيير وجه الشرق الأوسط أو معالمه، بطبيعة الحال، هو مشروع أميركي بالأساس، وهو يرتبط بالمصالح الأميركية من دون أدنى شك، وما تسعى إسرائيل وبدعم من واشنطن لإنجازه في هذا السياق الذي يتم من خلال مسارين: المسار الأول هو المسار العسكري من خلال تدمير مقومات القوة والبنية العسكرية في المنطقة بشكل مباشر، وعبر إعادة إحياء دور التنظيمات والجماعات المسلحة والانفصالية وتغذية عوامل وجودها ودورها ومسارها الوظيفي، والمسار الثاني السعي إلى إحداث تغييرات في الأنظمة السياسية القائمة أو إضعافها قدر الإمكان، سواء كان ذلك من خلال دعم الحروب والنزاعات الداخلية أم عبر فرض مقوضات الاستقرار نتيجة الحصار الاقتصادي أو استنزاف الموارد، ولعل ترديد هذه العبارة من نتنياهو سواء كان ذلك في الجمعية العامة للأمم المتحدة بدورتها 79، أم بعد عودته من نيويورك في أكثر من تصريح صحفي، بجعل إقليم الشرق الأوسط في حالة خطر من دون أدنى شك، وهذا المشروع وفق ما يمكن تلمسه حتى اليوم يعتمد على ثلاثة عوامل:
– العامل الأول يتمثل في التوجه الإسرائيلي – الأميركي لاستهداف حزب اللـه بكل الإمكانات العسكرية والسياسية والاجتماعية الممكنة، وذلك بهدف التوسع من لبنان باتجاه دول باقي المنطقة، بمعنى آخر سقوط لبنان ضمن السيطرة الأميركية الإسرائيلية، والذي سيكون بوابة العبور باتجاه دول باقي المحور، وفي الوقت ذاته رغبة واشنطن في القضاء على الحزب ليس فقط لدوره الضامن في الدفاع عن لبنان، بل نتيجة ما قام به الحزب من دور إقليمي في التصدي للمشاريع الأميركية في سورية والعراق واليمن.
– العامل الثاني المسعى الإسرائيلي لتوظيف هذا المصطلح لتكريس مشروع الصهيونية الدينية، الساعية لإقامة دولة إسرائيل الكبرى، والتي باتت خريطتها تنتشر بشكل كثيف بالآونة الأخيرة حتى على بدلات الجنود الصهاينة.
– العامل الثالث رغبة واشنطن في استغلال حالة الصراع القائمة لتحقيق أهدافها الجيوإستراتيجية، وفي مقدمها فرض الوجود الأميركي بالمنطقة بذريعة حالة عدم الاستقرار، واحتواء النفوذين الروسي والصيني، اللذين يشهدان توسعاً واضحاً خلال السنوات الماضية، نتيجة الدور الروسي في محاربة الإرهاب ووصوله للمتوسط، ودور الدبلوماسية الصينية التي نجحت في إنهاء حالة الصراع الإيراني- السعودي، والسعي لاستكمال مشروع الحزام والطريق، وبالتالي فإن إسرائيل تدرك تماماً بأن التوجه لتبني مشروع تغيير معالم الشرق الأوسط، يعكس مدى ارتباط وتشعب المصالح الأميركية الإسرائيلية المتبادلة، وهو ما يفسر الدعم المطلق المقدم من الإدارة الأميركية لهذا الكيان، والذي كان آخرها متزامناً مع زيارة نتنياهو لنيويورك منذ أسبوعين حينما أعلنت واشنطن عن تقديم مساعدات عسكرية بقيمة 8,7 مليارات دولار لاستكمال العمليات العسكرية الجارية، وهنا يجب أن نضع ألف خط أحمر مجدداً أمام مصطلح العمليات العسكرية الجارية.
ولاستكمال الصورة أكثر وبالتزامن مع مرور عام على عملية «طوفان الأقصى» التي قامت بها الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة في السابع من تشرين الأول 2023، رداً على المجازر والانتهاكات والسياسات الإسرائيلية المتراكمة، خرج بنيامين نتنياهو ليعلن أن اسم العمليات العدوانية التي جاءت رداً على «طوفان الأقصى»، استبدلت من «السيوف الحديدية» إلى حرب «النهضة» و«يوم القيامة»، وهو ما يحمل العديد من الدلالات والرسائل التي أراد نتنياهو إيصالها من خلال هذه التسمية في إطار تطبيق خريطة الشرق الأوسط الجديد:
أولاً- إطلاق اسم حرب يوم القيامة بدلاً من السيوف الحديدية، هذا يعني أن إسرائيل التي تبنت ما يسمى عمليات ومناورات برية في قطاع غزة، انتقلت في هذا التوقيت إلى الحرب، والحرب هنا لن يكون شكلها كما كان عليه سابقاً ولا توجد حدود لها، وأطرافها متعددة بما في ذلك لبنان وسورية والعراق وإيران واليمن، لذلك فإن إعادة هندسة التسمية الجديدة تتضمن مؤشر اتساع نطاق الحرب والصراع على مستوى المنطقة وليس فقط ضمن إطار قطاع غزة أو فلسطين المحتلة.
ثانياً- «يوم القيامة» يحمل رمزاً وبعداً دينياً، أراد نتنياهو استثماره وتوظيفه في إطار صراعه مع دول محور المقاومة المعادي لإسرائيل، ضمن سياقين، السياق الأول هو الحرب النفسية في محاولة لنشر الخوف والرعب على مستوى شعوب المنطقة، وخاصة أن هذه التسمية جاءت بعد العدوان الكبير على لبنان، واغتيال الصف الأول من القادة، وارتكاب مجازر الإرهاب الإلكتروني، وتدمير شبه كامل للقطاع، والسياق الثاني في دلالة لما يحضر له بالشراكة مع الأميركي لتصعيد جديد يستهدف إيران ودول المنطقة.
ثالثاً- استخدام هذا التوصيف بدلالاته العميقة هو محاولة لتوحيد الصف الداخلي الإسرائيلي، ولاسيما أن نتنياهو في كل مناسبة تقريباً ومع كل تصريح له، يحاول أن يقول للرأي العام الإسرائيلي إنه يقود حرباً من أجل حماية أمن الكيان، ولنشر الخير، وضد الظلام، وغير ذلك من مصطلحاته البراقة التي يراد بها الباطل.
رابعاً- ما يقصد بـ«النهضة» هو إظهار الكيان بأنه ينهض مجدداً في المنطقة بعد نكسة عملية «طوفان الأقصى»، وما ارتكبه من جرائم واعتداءات بالمنطقة هو الوسيلة للحفاظ على وجوده وتفوقه.
إطلاق توصيف حرب يوم القيام على العدوان الإسرائيلي على المنطقة، لم ينتظر سوى ساعات قليلة ليأتيه الرد بصواريخ متوسطة من قطاع غزة استهدفت عمق الداخل في الأراضي المحتلة، وصاروخ يمني اخترق الأجواء الفلسطينية وتم تفجيره في سماء تل أبيب، ليضع المشروع الأميركي الإسرائيلي بتغيير معالم الشرق الأوسط على المحك، ويجعلنا أمام سؤال جوهري: هل حرب «يوم القيامة» هنا ليمنع نتنياهو نبوءات التلمود التي يتخوفون منها ولاسيما عقدة الثمانين، أو ليتحداها؟
كاتب سوري