من دفتر الوطن

هل سقط العقال؟

| حسن م. يوسف

هذه الأيام ليست كسواها، إن خسرناها خسرنا ما تلاها!

لا تكف هذه الكلمات عن نقر رأسي من الداخل كما لو أنها صوص اكتمل تكوينه فقرر كسر القشرة والخروج من البيضة الخاوية.

قال لي متسائلاً بانكسار: هل سقط عقال العرب؟

هذا السؤال الغريب لا يكفّ عن طرح نفسه عليَّ منذ أن رأيت الفاشي اللعنة النتنياهو يقسم منطقتنا بين (اللعنة والبركة). والحق إن هذا السؤال المر يصبح أشد إلحاحاً كلما سمعت أو قرأت أصداء سموم النتن ياهو تتردد في كلام بعض أبنائنا الذين أعمتهم عصبياتهم وتحزباتهم، دافعةً إياهم إلى أحضان الشيطان!

هناك اعتقاد غير مؤكد تاريخياً بأن العرب القدماء كانوا يستخدمون العقال لربط الناقة من أجل تثبيتها في المكان، وأن الواحد منهم كان يضع العقال نفسه فوق غطاء رأسه، عندما يريد الانتقال بناقته إلى ربوع أخرى، ليعيد ربط الناقة به من جديد عندما يتوقف عن المسير. ويقال إنهم أصبحوا يستخدمون العقال بشكل دائم عندما اكتشفوا أنه يثبّت غطاء الرأس ويمنعه من السقوط عند الحركة، أو عند هبوب الرياح.

لا أحد يعرف على وجه الدقة متى بدأ لبس العقال، لكن بعثة أثرية من جامعة مؤتة عثرت في عام 2012 أثناء تنقيبها في منطقة (قلبان بني مرة) جنوب الأردن، على أقدم منحوتة لرجلٍ يرتدي عقالاً على الرأس يرجع للقرن الثالث أو الرابع قبل الميلاد.

يقال بأن العقال العربي كان أبيض اللون، ثم تحول إلى الأسود القاتم عقب خروج العرب من الأندلس حزناً على الفردوس الضائع.

عندما فتحت عيني على الدنيا رأيت أبي رحمه اللـه يرتدي العقال الأسود، وقد رسخ في ذهني باكراً أن للعقال هالة من الاحترام تصل حد التقديس، كما رسخ في ذهني أن إسقاط العقال عن رأس لابسه ليس إهانة لمن يرتديه وحسب بل هو إهانة تتعداه إلى الجماعة التي ينتمي إليها.

ويقال أن هالة الاحترام التي يحاط بها العقال لها حكاية غريبة بطلها النُعْمَان بْنُ المُنْذِر بْنِ اِمرِئ القَيسِ اللَخْمِي، المُلقب بأَبِي قَابُوس صاحب يوم البؤس ويوم النعيم، الذي اشتهر بحبه لشقائق النعمان وحمايته لها، وأمره بزراعتها حول قصره الخورنق. يقال إن كسرى الثاني قد طلب الزواج من ابنة الملك النعمان، فاشترط عليه أن يعرض الأمر على العرب، فإن وافقوا زوجها له، لكن العرب لم يوافقوا على الزواج، فغضب كسرى، غير أنه كتم الأمر في قلبه، وبعد مدة دعا النعمانَ إلى وليمة في المدائن، وعندما حضر، قيَّده كسرى بعقال بعير، ويقال بأنه ألقاه تحت أرجل الفيلة، فوطئته، فهلك. ولما عرف العرب بذلك قرروا وضع عقال البعير على رؤوسهم تشريفاً للنعمان. يقال إن هذه الحادثة كانت هي الشرارة التي أدت لتوحيد القبائل العربية واشتعال الحروب بينهم وبين الفرس، والتي توجت بمعركة ذي قار التي حقق فيها العرب انتصاراً كبيراً.

للعقال عدة أنواع، لعل أشهرها عقال المرعز الذي يصنع من شعر الماعز المستحضر من بادية شمال العراق وسنجار، وقد جاء ذكره في الأغاني الشعبية: (يا بو العقال المرعز/ عدّل بريمك مايل/ حسبنا العشرة تطوّل/ صَبّحْ ضعنهم شايل).

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن