الحرب في حارتنا!
| ميشيل خياط
أوصل قراصنة الجو المعاصرون- محتلو فلسطين الصهاينة- الحرب على الفلسطينيين واللبنانيين إلى حارتنا.
أمشي كل يوم من ساحة الهدى في المزة جبل إلى الشيخ سعد، كرياضة يومية، بعد غياب الشمس واعتدال الطقس، أي نحو الساعة السابعة والنصف مساء، وأجاور بنايات الـ14 في الساعة الثامنة والربع تقريبا، أي في اللحظة ذاتها التي قصف فيها الكيان الصهيوني إحدى بنايات الـ14 وقتلت 9 رجالاً ونساء وأطفالاً وجرحت عشرات المواطنين، وأحدثت دماراً هائلاً.
لم أقم بتلك الرياضة يوم الثلاثاء الماضي، إذ ذهبت إلى المركز الثقافي في «أبو رمانة» للاستماع لمحاضرة دعت إليها جمعية العلوم الاقتصادية.
مصادفة أنقذتني ربما من الموت أو الهلع الفظيع على الأقل، لكن ما حدث يعني أن الحرب وصلت إلى حارتنا وهذا ما رحت أردده في حواراتي مع سائقي الميكروباصات الذين مازالوا «يمرمروننا»، ويبتزوننا لمضاعفة الأجر واختصار المسافة المقررة لهم، ويغيظوننا إذ يرفضون العمل بحجج كثيرة مثل التعب والذهاب للصيانة أو افتقارهم للمازوت.
لجأت ذات مرة لشرطي السير، مستنكراً رفضهم العمل فأجابني: هل يفعلون ذلك كمزاج أو لافتقارهم إلى المازوت؟
قلت له: وكيف نتأكد..؟
ابتعد عني ومضى لشأن آخر.
جعلتني الواقعة القرصانية المذهلة في معانيها، أكثر حدة في حواراتي مع العاملين في صالات السورية للتجارة، فبعد أن حرمتنا طوال الصيف الماضي من شراء «العنب» بسبب إصرار المستثمر _ على تسوق الأصناف الممتازة، وبيعها بأغلى الأسعار «25 و20» ألف ليرة للكغ الواحد، بحجة أنها ممتازة، بدأت الآن ببيع البرتقال الأخضر بـ9000 ليرة للكغ الواحد…!! علماً أن مزارعي الحمضيات لا يحصلون على 10 بالمئة من هذا المبلغ.
وأعيش الحدة ذاتها في استنكار ارتفاع أثمان السلع الأساسية في منافذ القطاع الخاص (السكر الرز الزيت النباتي …. إلخ)، ياجماعة ما هكذا تورد الإبل، الحرب تعصف بنا من كل جانب، عشرات ألوف الشهداء في غزة ولبنان، وتدمير مئات ألوف الأبنية، وتهجير مئات ألوف اللبنانيين، وفد منهم إلى سورية أكثر من مئة ألف مواطن حتى الآن، وتهرع مؤسسات حكومية وشعبية للحفاوة بهم وتأمين المأوى اللائق لهم، والخدمات الطبية المجانية بمختلف أنواعها وتضطلع الجمعيات الخيرية السورية بتأمين الملبس والمأكل لهم، وتتعاون دول أجنبية ومنظمات إنسانية دولية معنا لتأمين بعض احتياجات الوافدين الأشقاء والعائدين السوريين.
روت صحفية كبيرة وقديرة في سياق الحوار على هامش المحاضرة التي أصغيت إليها في المركز الثقافي، كيف أن صعاب النقل أساءت كثيراً للمشاريع الصغيرة، في قريتها في ريف جبلة البعيد، بعد ازدهار لافت.
إن تلك الصعاب الناجمة عن ارتفاع أجور النقل، حرمت أصحاب المشاريع الصغيرة من نقل منتجاتهم إلى الأسواق الكبرى في جبلة أو اللاذقية لبيعها هناك، ولعل غياب التسويق يخنق الإنتاج، لم تحظ مسألة النقل باهتمام جدي على صعيد التنظيم أو توريد باصات لتخديم الريف.. إلخ.
ولئن انتظرنا طويلاً الوزارة الجديدة، لتباشر بأداء نشط، نفاجأ أنها بدأت برفع الأسعار «مازوت التدفئة»، وتلوح بقرارات غير شعبوية «أي غير شعبية»، وتكرر موضوع تصحيح الدعم النقدي لعدة سلع وخدمات من دون أي حديث عن تصحيح الرواتب التي فقدت معناها ووظيفتها وجدواها.
لكنها «أي الوزارة الجديدة » بدت مهتمة بالرأي الآخر الناقد، إذ استغربت في مطالعة لمديرية الإعلام في مجلس الوزراء، نقلت إليها من داخل اجتماع المجلس الأعلى للتخطيط الاقتصادي والاجتماعي، عدم وجود مداخلات لممثلي النقابات والاتحادات، مختلفة عن وجهة نظر الحكومة، ولاسيما على مستوى الأولوية ودور القطاع الخاص أو القطاعات التي تمثلها هذه الاتحادات والنقابات!
مستقوياً بهذا الموقف لإعلام مجلس الوزراء أقول وبمنتهى الحزم ونحن في لحظة صمود كبرى وساخنة جدا، الشعب يريد قرارات شعبوية، وليس الآن وقت النظريات الأكاديمية، مرحلياً نفذوا إجراءات شعبوية ثم اعملوا ما ترتؤون أكاديمياً وإستراتيجياً.
وأعتقد أن الشعب يريد جريدة ورقية إخبارية شاملة يفهم منها ما يدور حوله بيسر، ويريد حلا لأزمة النقل الطاحنة داخل المدن ومنها إلى الأرياف، ورواتب تكفي أساسيات الحياة على الأقل.
إنها من مستلزمات الصمود والمقاومة والتفاني في مواجهة قرصان العصر «الإسرائيلي » للقضاء عليه وتخليص البشرية من ويلاته.