قضايا وآراء

النفط وحرب إسرائيل العدوانية على غزة ولبنان

| د. قحطان السيوفي

منذ العملية الفدائية الفلسطينية في السابع من تشرين الأول 2023، ومنطقة الشرق الأوسط تقترب من نقطة الانزلاق إلى حرب إقليمية وربما صراع عالمي.

الوقت الراهن هو الأكثر خطورة على المنطقة والدول المرتبطة بها سياسياً أو اقتصادياً أو من خلال أسواق الطاقة، أكثر من أي وقت مضى.

ويعتبر يوم السابع من شهر تشرين الأول 2023، لحظة فارقة جديدة في سياق التوترات الجيوسياسية التي شهدها العالم منذ بداية الحرب الأوكرانية، مع تصاعد مخاوف من توسع تلك الحرب وباعتبارها جرس إنذار لأمن الطاقة العالمي، وتداعيات الحرب على أسواق النفط، وقد قفزت أسعار النفط في الأيام الأخيرة وتتجه لزيادة أسبوعية بنسبة 10 بالمئة مع احتمالات اتساعها بما قد يعطل إمدادات الخام، كما رفع بنك «مورغان ستانلي» توقعاته لسعر خام «برنت» بمقدار 5 دولارات إلى 80 دولاراً للبرميل للربع الرابع من عام 2024، بسبب زيادة المخاطر الجيوسياسية وإمكانية توسع الحرب الإسرائيلية العدوانية على غزة ولبنان، وتهدد بخنق النمو الاقتصادي العالمي وتعيد إشعال التضخم.

على صعيد الاقتصاد العالمي أسعار النفط ترتفع، ويتعرض الاقتصاد العالمي لضغوط من تأثير ارتفاع أسعار الفائدة، وانخفاض التجارة، وحالة عدم اليقين بشأن الانتخابات الأميركية الرئاسية المقبلة.

شهد الأسبوع الأول من تشرين الأول 2024 ارتفاعاً في أسعار النفط، وارتفعت العقود الآجلة لخام برنت إلى 74.56 دولاراً للبرميل، على حين ارتفع خام غرب تكساس الوسيط الأميركي 1.26 في المئة، بالمقابل إيران عضو في منظمة البلدان المصدرة للنفط «أوبك» ومنتج رئيسي للنفط في المنطقة بمتوسط إنتاج يومي يبلغ 3.3 ملايين برميل من الخام.

من جانب آخر، اجتمعت لجنة من «أوبك» وحلفاء لها بقيادة روسيا، فيما يعرف بتحالف «أوبك بلس»، لمراجعة وضع السوق، ومن المتوقع رفع «أوبك بلس» الإنتاج 180 ألف برميل يومياً، بدءاً من كانون الأول 2024، ولاحقاً قد يتدخل تحالف «أوبك+» في سوق الطاقة مرة ثانية ليعلن عن كميات خفض طوعية في الإنتاج، ليحفظ توازن العرض والطلب بالمقابل.

لقد تأثرت أسعار النفط العالمية ببيانات الوظائف الأميركية، فالولايات المتحدة أكبر منتج ومستهلك للنفط الخام في العالم، بمتوسط استهلاك يومي يتجاوز 17 مليون برميل، وقد تتلقى أسعار النفط ضربة، إذا ظهرت مؤشرات من الفيدرالي الأميركي حول خفض أسعار الفائدة، دون توقعات «وول ستريت» بخفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس أيلول 2024، أما الشرق الأوسط، فيُنتج أكثر من 25 مليون برميل نفط خام يومياً، وعشرات ملايين المشتقات الأخرى.

والأهم، أن الصراع يقع في قلب طرق الملاحة التجارية والنفط العالمية، فمضيق هرمز يمر من خلاله 18 مليون برميل من الخام يومياً، وكذلك مضيق باب المندب، أي البوابة الجنوبية للبحر الأحمر وقناة السويس.

واليوم تترقب أسواق النفط العالمية ما قد ينتج عن الرد الإسرائيلي على إيران، إذ قد تصبح المنشآت النفطية في كلا البلدين هدفاً لكل منهما.

ورغم أن إمدادات النفط الإيراني لا تشكل سوى 3 بالمئة من النفط العالمي، إلا أن تأثير ضربها قد يتجاوز المنطقة، ويضع الاقتصاد العالمي تحت أعباء ارتفاعات في الأسعار.

هذه الأعباء لها تأثيرات اقتصادية على الداخل الأميركي وتشكل عبئاً ثقيلاً في عام الانتخابات الرئاسية، ما دفع الرئيس الأميركي جو بايدن، لحض إسرائيل على عدم استهداف منشآت نفطية إيرانية.

رئيس «معهد السياسة العالمية» باولو فون شيراك في واشنطن قال: «إذا استهدفت إسرائيل المنشآت الإيرانية للنفط، فإن العالم كله سيعاني» من تأثيرات الضربة.

وأضاف متسائلاً: ماذا لو ردت إيران واستهدفت المنشآت النفطية السعودية؟ وفي هذه الحالة لا ندري إلى أين ستتجه الأمور؟

على صعيد الاقتصاد العالمي كان تأثير التطورات الأخيرة ملحوظا على أسواق النفط العالمية، وأشار موقع «أويل برايس» الأميركي إلى أن التوترات المتفاقمة بين إسرائيل وإيران تهدد باضطراب إمدادات النفط وسلاسل التوريد، متوقعاً ارتفاع أسعار الخام خلال الأيام المقبلة.

ورجح تقرير الموقع الأميركي أن تنتقم إيران في مجال الطاقة، وتقدم على تعطيل الشحن عبر مضيق هرمز في البحر الأحمر، الذي يمر عبره 30 بالمئة من إجمالي شحنات النفط في العالم.

كما يمكن أن يقوم أنصار اللـه في اليمن بزيادة الهجمات على شحنات النفط في البحر الأحمر، ما يضع ضغوطاً تصاعدية إضافية على أسعار النفط.

هناك فرضية أخرى تقول: قد تلجأ إيران إلى الدعوة التي سبق أن أصدرتها الدول الإسلامية في منظمة «أوبك» لحظر صادرات النفط إلى حلفاء إسرائيل، على غرار ما فعلته المملكة السعودية في العامين 1973 و1974 مع الدول التي دعمت إسرائيل في حربها مع مصر وسورية.

يومها، ارتفعت أسعار الخام بشكل كبير مع انخفاض إمدادات النفط العالمية، مع التخفيضات التدريجية لإنتاج النفط من جانب أعضاء «أوبك»، وارتفع سعر النفط بنحو 267 بالمئة، أدى يومها لتباطؤ اقتصادي عالمي، وخاصة في الدول الغربية.

وفي حال انخفضت الإمدادات بمقدار يتراوح بين ثلاثة ملايين إلى خمسة ملايين برميل يومياً، أي ما يعادل الفقدان الذي نجم عن حرب العراق بالعام 2003، رجح تقرير البنك الدولي ارتفاع الأسعار إلى 35 بالمئة.

أما في حال انخفاض إمدادات النفط، على غرار الانخفاض في أزمة النفط بالعام 1973، فسترتفع أسعار الخام بين 56 بالمئة إلى 75 بالمئة تقريباً.

وفي حال هذه الفرضية، وهي للأسف ضعيفة جداً لانعدام التضامن العربي والإسلامي، لكن الحظر على صادرات النفط إلى الداعمين الرئيسيين لإسرائيل فإن ذلك سيعني خسائر أكبر في إمدادات الخام العالمية، وخسائر أكبر بأسعار الخام.

يبلغ إنتاج الدول الإسلامية في منظمة «أوبك» مجمعة، ما يعادل 29 بالمئة من إجمالي الإنتاج العالمي من النفط البالغ 82 مليون برميل يومياً ويشير تقرير «أويل برايس» إلى أن زيادة أسعار النفط عن مستوى 80 دولاراً للبرميل يزيد فرص حدوث ركود اقتصادي ليضع مزيداً من الأعباء على اقتصادات الدول خاصة الاقتصاد الأميركي.

طغت المخاوف من أن التوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط، الذي يعتبر منطقة التصدير الرئيسية وتتمتع بأهمية إستراتيجية قصوى في المشهد السياسي الإقليمي، لأنها غنية بمواردها الطبيعية؛ النفط الخام والغاز الطبيعي.

زادت تداعيات الحرب الإسرائيلية العدوانية على غزة ولبنان من المخاطر الجيوسياسية على الأسواق العالمية التي ستتعرض لتداعيات عديدة ومن ضمنها، أولاً: ارتفاع أسعار الطاقة، ثانياً: تهديد نقص الطاقة، ثالثاً: التأثير في منطقة الشرق الأوسط أن ارتفاع أسعار النفط الخام والغاز الطبيعي المفترض، يعود بالفائدة للدول الشرق أوسطية المنتجة والمصدرة لها من خلال زيادة إيراداتها، إلا إنها ستعاني من التضخم، وكل ذلك يؤكد التداعيات السلبية لحرب إسرائيل الهمجية على أسواق النفط، العصب الرئيس للاقتصاد العالمي، وتبقى فرضية حظر صادرات النفط العربي للدول الداعمة لإسرائيل مجرد حلم للمواطن العربي في الزمن العربي الرديء.

وزير وسفير سوري سابق

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن