إسرائيل تبدأ «اقتصاد التسلح» وتنتظر المدد الأميركي
| علي عدنان إبراهيم
منذ اليوم الأول للحرب الدائرة في المنطقة كان معلوماً أن إسرائيل دخلت لعبة عض أصابع مع قوى المقاومة وشعوبها فعمدت إلى القتل والتدمير بكل وحشية وأمطرت مدن قطاع غزة وقرى جنوب لبنان بآلاف الأطنان من القذائف الثقيلة التي حملتها مئات الطائرات وأطلقتها مئات الدبابات فأزهقت عشرات آلاف الأرواح وما زالت، إلا أن الحرب لا تزال مستمرة وأصابع أي من الطرفين لم تقطع بعد.
وعلى الرغم من أن أحد الطرفين لم يركع بعد من شدة الألم إلا أن شيئاً من هذا الألم بدأ يظهر جليا، فإسرائيل أعلنت أمس دخولها رسمياً مرحلة «اقتصاد التسلح»، أي إنها باتت تفتقد ميزة الأرض المحروقة، فالذخيرة شحت لديها وبعض الدول التي كانت تمدها بالقذائف والمواد الأولية لإنتاجها باتت تعلق التعامل مع الجيش الإسرائيلي أو تضطر لذلك تحت الضغط الشعبي أو نزولاً تحت ضغط الحصار الذي يفرضه اليمن على الشحنات البحرية المتجهة لموانئ فلسطين المحتلة، ما يعقد عمل ماكينة الحرب، وقد يتسبب بقلب الموازين خاصة مع دخول العوامل المؤثرة في هذه الحرب منعطفات عدة أهمها اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية وتوسيع حزب اللـه اللبناني نطاق عمله العسكري باتجاه قلب حيفا وتنفيذه ضربات قاسية بأسلحة نوعية، إضافة إلى بدء حكومة العدو برئاسة بنيامين نتنياهو تطبيق الخطة التي دار الحديث عنها طويلاً في مخيم جباليا شمال قطاع غزة والتي تهدف لإفراغ شمال القطاع تدريجياً من المدنيين باتجاه الجنوب والقضاء على عناصر المقاومة تمهيدا لضم هذا الجزء من القطاع وإقامة مستوطنات عليه.
وحسب صحيفة «هآريتس» الإسرائيلية فإن الجيش الإسرائيلي أصبح يفرض موافقة كبار القادة على استخدام القذائف ووسائل القتال الأخرى بسبب تراجع مخزونه من الذخيرة، مشيرة إلى أن المستوى القيادي الذي يمكن أن يوافق على استخدام الذخيرة هو قائد لواء، ما يشي بإمكانية غرق الجيش الإسرائيلي في مستنقع البطء بالتعامل مع أي أهداف معادية له وهذا يعني تخفيف حدة الاستهداف والقصف المكثف في جنوب لبنان وإتاحة المساحة للمقاومين للتحرك وتنفيذ عمليات إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة تجاه عمق الكيان كما حدث في عملية استهداف قاعدة لواء غولاني في بنيامينا، وهذا ما دفع العديد من محللي القنوات التلفزيونية الإسرائيلية للتأكيد أن حزب اللـه بدأ يتعافي من الضربات القاسية التي تعرض لها وعاد ليقاوم بالشكل المتوقع.
وقوع إسرائيل في هذه المشكلة لا يلغي كونها تتمتع بمخزون إستراتيجي في حال دخولها حرباً كبرى، إلا أنها تتوقع حسب تصريحات مسؤوليها أن أي ضربة توجهها لإيران ستكون سريعة وخاطفة ومدمرة لدرجة أنها لن تستمر ولن تتلقى إسرائيل رداً عليها، غير أن إخفاق هذا التوقع سيجر إسرائيل إلى حرب استنزاف تؤدي حتما إلى إفراغ مخزونها على المدى الطويل، وبالطبع فإن هذا المخزون يعتمد في ترميمه بشكل مستمر على الولايات المتحدة الأميركية التي تعد المغذي الأساسي لآلة الحرب الإسرائيلية، فبحسب معهد استكهولم الدولي لأبحاث السلام وقعت الولايات المتحدة وإسرائيل مذكرة تفاهم مدتها 10 سنوات بين عامي 2018 و2028 تتضمن تقديم نحو 40 مليار دولار أميركي من المساعدات العسكرية لجيش الاحتلال، و33 مليار دولار على شكل منح لشراء معدات عسكرية و5 مليارات دولار لأنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية، كما تلقت خلال الأشهر الأخيرة فقط حزمتي مساعدات مالية ضخمة من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لتدعيم المخزون الحربي آخرها في شهر أيلول الماضي بقيمة 8,7 مليارات دولار تضمنت 3,5 مليارات لمشتريات أساسية للحرب، و5,2 مليارات لأنظمة الدفاع الجوي، وكان الكونغرس الأميركي قد مرر في شهر نيسان الماضي مساعدات ضخمة لإسرائيل بقيمة 17 مليار دولار بشكل مباشر لدعم المجهود الحربي، وعدة مليارات لإنفاقها على غزة إلا أنها وقعت في يد إسرائيل، وأخيراً أعلنت وزارة الدفاع الأميركية بدء عملية نقل منظومة «ثاد» للدفاع الجوي المتطور إلى كيان الاحتلال لحمايته من الصواريخ الباليستية بعد أن ثبت إخفاق منظوماته الثلاث، القبة الحديدية ومقلاع داوود وحيتس، في صد الهجومين الصاروخيين الإيرانيين «الوعد الصادق 1 و2»، إلا أن الهجوم الأول في نيسان كان أقل ضرراً على اعتبار مشاركة القوات الأميركية والبريطانية وغيرها في التصدي له ضمن الأجواء الدولية وقبل وصوله إلى أجواء فلسطين المحتلة.
الدعم العسكري الأميركي المقسوم بين القواعد العسكرية للجيش الأميركي حول العالم وتسليح أوكرانيا ومد إسرائيل بالذخيرة، يبدو أنه بات يعاني ضرراً حقيقياً على اعتبار أن ساحات الحرب حافظت على وتيرة استهلاكها، بل ازدادت عقب التوغل الأوكراني في كورسك وشن إسرائيل حرباً على لبنان، وتراجع الشركاء الغربيين عن دعم إسرائيل بنسب متفاوتة وعلى رأسهم ألمانيا وبريطانيا وكندا وهولندا وإيرلندا ما صعّب المهمة على حكومة نتنياهو التي بدأت تتحدث اليوم عن ضرورة استقدام مواد أولية لبدء رحلة الاكتفاء الذاتي من الذخائر المصنوعة محلياً إلا أن هذا الأمر يصطدم أيضاً بإمكانية وقوع معامل تصنيع الأسلحة والذخائر الإسرائيلية ضمن بنك الأهداف المحتمل للمقاومة في لبنان واليمن وإيران.
زعيم حزب العمال البريطاني السابق جيرمي كوربن قال تعقيباً على الإبادة الجارية الآن في جباليا شمال قطاع غزة والتي تحدث على الهواء مباشرة: «إذا لم يمنع مشهد احتراق البشر أحياء الحكومة البريطانية من تزويد إسرائيل بالأسلحة، فما الذي سيمنعها»؟ والمؤكد أن ما سيمنعها هو إخفاق هذا الدعم العسكري في تحقيق أي هدف يطمح له نتنياهو ويقنع حلفاءه به، ومن هذا المنطلق فإن المقاومة تواصل عملياتها برتم تصاعدي ضد الكيان، وشعوبها تواصل صبرها على ما يلحق بها من أذى إلى حين ثبات إخفاق حكومة نتنياهو وانهيارها بعد فقدان أصابعها في لعبة العض التي دخلتها بكل غرور.