من دفتر الوطن

خربشات مجنونة!

| عصام داري

على خطوط التماس التي تفصل الخريف عن الشتاء، تحلو جلسات التأمل على كرسي قرب بحر هادئ الموج، أو بجوار غابة بكر لم يكتشفها إنسان.

بتنا نستخدم المصطلحات العسكرية في الأدب والفن والثقافة، لذا ليس غريباً أن أبدأ زاويتي بالحديث عن خط التماس الذي يفصل الخريف عن الشتاء.

هذا التحول في دوران عجلة الفصول كان لابد من مؤشرات عملية، منها أن نسيمات رقيقة ولطيفة باغتتني هذا الصباح، ورغم برودتها نسبياً، إلا أنها كانت منعشة للنفس والذاكرة المتعبة، وبدأت حواراً داخلياً من وحي ذكريات عبرت أفق خيالي، والتأمل يقودنا إلى كل جميل مر في حياتنا، ويبعدنا عن لحظات الحزن المزمن الذي كان وسيبقى رفيق دروبنا، حديث داخلي يدور بين العقل والقلب، بين جنون حب مضى، وبحث مضنٍ عن الخيارات التي مرت في حياتنا، ومن أخطأ ومن أصاب.

التأمل أفضل دواء لأمراض القلب وتعب الروح، وحبر الذكريات يعيدنا إلى زمن مضى ويعطر حياتنا بقصص جرت معنا على مدى سنوات العمر.

ضوء خافت قليلاً بفعل غيوم رمادية أرادت معاقبة الشمس لأنها كانت قاسية علينا في صيفنا الذي ودعناه، فحجبتها عن المشهد.

هكذا استقبلت صباحي، وهذا الطقس الجميل هو واحد من اللوحات الربانية القريبة من نفسي وروحي، قد يشعر آخرون بأنه طقس حزين وكئيب، لكنني أتوق لحزن لطيف يكمل مشهد أيامي، بين حزن وفرح وحبور، بين تفاؤل وتشاؤم، بين، وبين، لتمضي الحياة بتلويناتها المدهشة.

عندما تلفحني النسيمات الصباحية الرقيقة، وأنا أراقب الشمس المختبئة خلف الغيوم الرمادية التي قد تذرف مطراً بين لحظة وأخرى من أعالي السماء، لتبارك عشاق الأرض، في هذا الوقت أشعر بحنين للشتاء الذي طال انتظاره، لكنه يعدني بأنه قادم في وقت قريب.

والحب يأتي في الشتاء، ويأتي في الصيف، هذا ما فهمته من فيروز والرحابنة(حبيتك بالصيف، حبيتك بالشتي) هل يعني ذلك أنها لم تحبه في الربيع والخريف، وهل هناك مواسم للحب مثل مواسم الأزاهير والفواكه والخضار؟!.

تتكرر فصول السنة في الشعر والأغاني والقصص بجميع لغات الأرض، وخاصة بلغتنا العربية، فحديث الفصول نسمعه من فريد الأطرش في أغنية الربيع، أو الفصول الأربعة التي كتبها المبدع مأمون الشناوي، و«أحب ليالي الشتاء» من نجيب السراج، و«صيّف يا صيف» من فيروز، وغير ذلك، وحتى لا يقتصر كلامي على الأغاني العربية سأذكر أغنية باللغة الفرنسية تتحدث عن تساقط الثلج، وهي أغنية للمطرب البلجيكي سلفادور أدامو، فكانت هذه الأغنية سبب شهرته العالمية.

سألني صديق: لماذا تبتعد عن مواضيع الساعة، السياسية والاجتماعية والاقتصادية ومعاناة الشعوب والفقراء؟.

لم أجد الجواب عن السؤال، لأنني ببساطة متعب من كل شيء، فأردت أن أخربش على الوريقات البيض خربشات طفولية، أو خربشات مجنونة إن صحت التسمية، لذا قد لا تجدون روابط منطقية بين الحديث عن الفصول وبين التأمل والغناء والشعر والنثر والأدب.

ألم أقل لكم: إنها خربشات مجنونة، لكنها مسموعة، وقديماً قالوا: مجنون يحكي وعاقل يسمع، فاسمعوا أيها العاقلون حتى الآن على الأقل، ولا أدري ما قد يحدث لكم غداً!.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن