عندما تصبح حيفا في قلب الشمال
| منذر عيد
أدخلت الضربات اليومية التي يشنها مقاتلو حزب اللـه على مدينة حيفا المحتلة، والتي كان أبرزها استهداف قاعدة لقوات النخبة الإسرائيلية من لواء جولاني قرب بنيامينا ومقتل وإصابة 70 ضابطاً وجندياً منهم، الكيان الإسرائيلي في حالة من الإرباك، وشكلت تلك الضربات التي باتت يومية على المدينة معادلة جديدة في معركة المواجهة بين المقاومة والاحتلال، تنفيذاً لكلام الأمين العام للحزب الشهيد حسن نصر اللـه قبل استشهاده بأن حيفا مقابل الضاحية الجنوبية لبيروت.
إنجازات المقاومة في الأيام الأخيرة، سواء على مستوى المواجهة البرية، وإفشالها جميع محاولات الاحتلال الدخول إلى الجنوب اللبناني، أم ضرب قواعد ومستوطنات الاحتلال من حيفا إلى أقصى شمال فلسطين المحتلة، أكدت أن حزب اللـه استعاد زمام المبادرة، والتحكم والسيطرة، بعد سلسلة الاغتيالات التي طالت قادته وعلى رأسهم الشهيد نصر الله، وأظهرت أن ما يملكه من أسلحة، تمكنه على المواجهة وجر العدو إلى حرب استنزاف تدوم طويلاً، ليس لقوات الاحتلال قدرة على تحملها، وبأنها بدأت عملياً في تنفيذ قاعدة التدرج بأنواع الأسلحة والمديات التي ينوي استهدافها داخل الكيان.
استعادة المقاومة اللبنانية قدرتها، أكده رئيس شعبة الاستخبارات السابق اللواء احتياط، يسرائيل زيف، بقوله: إن حزب اللـه حقّق من خلال عمليته في بنيامينا، إنجازاً كبيراً، لذلك يجب عدم الاستخفاف به وبقدراته، واستطاع التعافي على الرغم من الضربات التي تلقّاها، مشيراً إلى أن حزب اللـه يجرّ إسرائيل إلى حرب استنزاف دامية ومؤلمة لفترة طويلة، هذا إنجاز كبير يحسب له، ليضيف موقع «والاه» الإسرائيلي إن حيفا تحوّلت إلى كريات شمونة والحزب أثبت أنه لا يزال قادراً على تنفيذ العمليات القاتلة.
عملية بنيامينا، واستهداف قاعة الطعام بالتحديد، وعجز الدفاعات الجوية الإسرائيلية عن كشف أو اعتراض المسيرة، يكشف جملة من الحقائق وهي قوة حزب اللـه على المستوى الاستخباراتي، والكم الكبير من المعلومات الدقيقة وبنك الأهداف التي يملكها مقاتلو حزب الله، وليطرح ذلك سؤال شغل بال قادة الكيان والمستوطنين، بعد أن نجح الحزب في إيصال المسيرة إلى هدفها، ما يؤكد أنه يملك المئات أو الآلاف منها، والقادرة على ضرب أي هدف ليس في حيفا فقط بل في قلب تل أبيب، متى استدعت متغيرات المعركة ذلك.
من المؤكد أن استهداف حيفا، قلب جميع الموازين لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خاصة وأن الأخير أخفق في إعادة المستوطنين إلى الشمال، بل بخلاف ذلك ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أول من أمس أن الشوارع مهجورة في حيفا والسكان يشعرون بالخوف، وهذا يعكس تنفيذاً عملياً لما أكدت عليه غرفة عمليات المقاومة في بيان لها بقولها: «إن المقاومة الإسلامية على عهدها ووعدها لشهيدها الأسمى والأقدس سماحة الأمين العام حسن نصر اللـه بأن مستوطنات شمال فلسطين المحتلة ستبقى خالية من المستوطنين حتى وقف الحرب على غزة ولبنان».
إنذار بالنار، وجهه حزب اللـه إلى قادة الكيان الإسرائيلي من خلال عملية حيفا، ورسائل غير ودية مفادها، أن مقولة نصر اللـه إلى ما بعد بعد حيفا ليست مجرد تهديد أو وعيد بلا جدوى، بل إن المقاومة قادرة متى رأت الحاجة في ذلك، على الوصول بمسيراتها، وبما هو مستور حتى الآن من صواريخها، إلى ما بعد حيفا، وأن أي عدوان على المدنيين في بيروت سيقابل باستهداف تل أبيب، وربما يتم إدراجها ضمن مستوطنات الشمال، واستهدافها بشكل يومي.
رغم انجاز حزب اللـه في عملية حيفا، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي سعى جاهداً إلى التقليل من نتائجها، وحجمها، وانعكاسها على الداخل الصهيوني، من خلال تكتمه على أعداد القتلى والإصابات بشكل حقيقي، بل هرب إلى نفي الإنجاز عن مقاتلي الحزب بقوله: إن الطائرة صناعة إيرانية من طراز «شاهد 107»، بعد أن تبنى في البداية رواية أنها روسية، وهذا الأمر شيء معتاد بالنسبة لقادة الكيان، فحين يتعلق الأمر بنجاح ما قامت بفعله يقولون نجحنا، وعندما يفشلون يقولون العالم فشل، إخفاق في القضاء على «الإرهاب» أو في حماية «الديمقراطية» أو في وفي…
بخلاف ما أكده قائد القيادة المركزية الأميركية الأسبق الجنرال كينيث ماكينزي بأن الطائرات المسيرة الانتحارية لم تثبت بعد قدرتها على إحداث تغيير استراتيجي في الحروب، فإن ما وصل إليه حزب اللـه من نتائج آلمت العدو الإسرائيلي من خلال استخدام المسيرات، يؤكد أنها باتت قادرة على خلق تغيير استراتيجي في المعركة، وأنها تجاوزت الاستخدام التكتيكي، واستطاعت أن تبدد شعور المستوطنين الإسرائيليين بالأمن، وتضعهم في محيط من الرعب يدفعهم إلى التفكير بمغادرة فلسطين المحتلة مع بزوغ شمس كل يوم.