قضايا وآراء

حلم نتنياهو الباهت

| عبد المنعم علي عيسى

قد يكون مرد التسارع الحاصل على الخطوات الإسرائيلية في شهري آب وأيلول المنصرمين وصولا إلى اليوم الراهن، أو في بعده النفسي– الشخصي على الأقل، هو سعي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لأن يقف عشية الذكرى الأولى لعملية «طوفان الأقصى» ويقول: إن ما فعله كفيل بمحو آثار «الزلزال» الذي أصاب كيانه بنسجه كافة حتى وصل إلى نوياتها المسؤولة عن توليد «عوامل المناعة» التي بدت وكأنها دخلت في مسار انحداري، فالرجل لم يخف طموحاته التي أراد من خلالها القفز فوق إرث المؤسس ديفيد بن غوريون، وهو لأجل ذلك يريد، الآن، الظهور بمظهر لا يكتفي فيه بما وصل إليه هذا الأخير، بل يتعداه للظهور بمظهر من يمسك «القلم والورقة» لرسم ملامح هذا الشرق كله.

من المؤكد أن نتنياهو كان قد قرأ «النجاحات» التي حققها بدءاً من «غزوة البيجرات» ثم وصولا إلى اغتيال العديد من قادة «حزب الله»، على أنها فعل لا يشبهه سوى «تحطم الطائرات عند الفجر»، عندما استطاع سلاح الجو الإسرائيلي فجر 5 حزيران 1967، ضرب الطائرات السورية والمصرية في مرابضها، وكلا الفعلين، من وجهة نظر نتنياهو، رمز لنهاية الحرب وتحديد نتائجها قبل أن تبدأ.

سرعان ما تبدت «نشوة الانتصار» عند هذا الأخير عبر ذهابه إلى تغيير اسم غزوه للبنان من «سهم الشمال»، الذي أطلق عليها منذ بدئها 23 أيلول المنصرم، إلى «تغيير النظام في الشرق الأوسط»، وإن كان من الظاهر على تلك «النشوة» أنها كانت منقوصة، لأن «الكاملة» منها تقتضي خروج إيران تماماً من المعادلات الإقليمية، وهو إذ يدرك أن فعلاً من هذا النوع هو فوق قدرات كيانه، فقد جهد بكل ما يستطيع نحو استدراج الولايات المتحدة لمنازلة مباشرة، يكون من شأنها أن تفي بالغرض، وتحقق المرجو منها حتى إن منشوراً كان قد نشر على منصات الجيش الإسرائيلي قال بالحرف، «ما فعلته إسرائيل بحزب الله خلال 7 أيام تستطيع الولايات المتحدة أن تفعله بإيران في 3 أيام»، وكانت التقديرات كلها تقول إن ما جرى كفيل بدفع إيران للانكفاء خشية دخولها في مواجهة مباشرة مع الغرب الذي بدا وكأنه أمسك بناصية التكنولوجيا، فراح يسيرها كيفما شاء تماماً كما يحدث مع لاعب «بلايستيشن» ماهر.

لم تتطابق حسابات الحقل مع حسابات بيدر نتنياهو، فإيران ردت بقصف مواقع إسرائيلية بـ220 صاروخاً، في سابقة لم يعرفها كيان الاحتلال، وعندما أراد الأخير الرد، كانت هناك موانع لا شك في أن جزءاً وازناً منها يعود إلى أن بعضاً من «الفجوة التكنولوجية» قد جرى تقليصه سريعاً عبر إسناد روسي، فسقوط طائرة «إف35» واحدة سيكون فعلاً من شأنه أن يهز «هيبة» السلاح الأميركي، بدرجة قد تخلق معها «فتقاً» في العلاقة الأميركية الإسرائيلية من النوع الذي يصعب ترميمه سريعاً، وعلى جبهة الجنوب اللبناني بدت السياقات وكأنها مختلفة تماماً عن التصورات التي ابتنيت عن منطقة تلقت قصفاً يعادل ثلاثة أضعاف «قنبلة هيروشيما»، وإن كان الفعل تدريجياً هذه المرة وليس دفعة واحدة كما حصل في اليابان.

حلم نتنياهو الباهت بقيام «شرق أوسط جديد»، والذي هو حلم أميركي قبل أن يكون حلمه هو، واعتناقه له ليس أكثر من تنشيط لـ«الوظيفية» التي بدت مترهلة على الرغم من كفاءتها التقنية، بات الحلم الآن يقوم في آلياته على ممارسة أقسى الضغوط على حزب الله وإيران كنتيجة لتقديرات تنحو باتجاه أن المناخات الداخلية لكلا الاثنين هي التي ستقود إلى تغيير المعادلات لا القوة العسكرية التي يستخدمها، والراجح هنا أنه يرى في حراك بعض القوى اللبنانية الذي جرى مؤخراً، انعقاد «معراب 2» يوم السبت الماضي، ما يدعم نظريته السابقة، إلا أن النتائج جاءت على عكس ما تقوله التقديرات، فبدلاً من أن ينجح حزب «القوات اللبنانية»، صاحب الدعوة لـ«معراب 1 و2»، في التأسيس لجبهة داخلية تؤدي إلى عزل «حزب الله» وجد نفسه هو المعزول، الأمر الذي توضحه خرائط الحضور التي غاب عنها «الثنائي الشيعي»، ومعه «الدروز» بكل تلويناتهم السياسية، أما الحضور «السني» فقد اقتصر على النائب أشرف ريفي، وذاك بالمحصلة مؤشر يقول إن محاولات عزل «حزب الله» ليست أمراً وارداً راهناً، والمؤكد أن الفشل سوف تتسع شقوقه على وقع تطورات الميدان الذي تشير تقاريره إلى أن الحزب ماض في ترميم صفوفه واستعادته لزمام المبادرة من جديد.

على الضفة الإيرانية فإنه من المؤكد أن الرد الإسرائيلي على ضربة 1 تشرين الأول حاصل، لكن هدفها لن يكون، كما يقال، استهداف بنى ومنشآت نفطية أو مواقع للمشروع النووي الإيراني، وعلى الرغم من أن الضربات يمكن أن تطول بعضاً من هذه الأخيرة، لكنها لن تكون بالدرجة «الموجعة»، فلا سوق النفط العالمي يحتمل الأولى، ولا الثانية بقادرة على إعادة «البرنامج النووي» كثيراً للوراء، ولذا فإن الهدف سيكون تأليب الشارع الإيراني على قيادته استناداً إلى «البذور» التي ظهرت في غير محطة منذ العام 2009 ووصولاً للعام 2019.

على العكس مما تشير إليه الأهداف والتوقعات، فإن إطالة عمر الصدام قد يؤدي إلى فرز جديد للقوى في المنطقة تتلاشى من خلاله الخطوط المرتسمة بفعل عوامل تاريخية قديمة، فيصبح الفرز بين مؤيد لمشروع «الشرق الأوسط الجديد»، وبين رافض له.

كاتب سوري

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن