بعد زوال الوهم: أميركا وحلفاؤها من يورط من؟
| القاهرة – فارس رياض الجيرودي
مع تسارع تقدم الجيش العربي السوري وحلفائه وتهاوي مواقع الجماعات المسلحة على عرض ميدان المعركة في سورية وطوله، تبدو لحظة انجلاء الأوهام فيما يتعلق بحقيقة الصراع المندلع على سورية منذ خمس سنوات وكأنها تقترب، فوقائع التطورات في الميدان تفرض نفسها أكثر فأكثر على الأطراف التي تورطت بالصراع من وراء الحدود عبر دعم الإرهابيين، حيث لم تعد تلك التطورات تتيح مجالا للمناورة أو الاختباء خلف الأقنعة السياسية سواء بالنسبة للولايات المتحدة التي تولت إدارة الصراع، أو بالنسبة لحلفائها الإقليميين الذين تركت لهم دور تسليح ودعم الجماعات الإرهابية إعلامياً ومالياً وتسليحياً واستخباراتياً ولوجستياً، لذلك يبدو الخطاب الرسمي الأميركي المنقول اليوم عن وزير الخارجية الأميركي فيما يتعلق بالأزمة في سورية في أصدق حالاته، فقد تواترت أنباء على لسان أقطاب في وفد المعارضة السورية دارت حول تأنيب تعرض له الوفد المعارض من الوزير جون كيري، وكتبت صحيفة العربي الجديد الممولة من قطر عن موقع «ميديل إيست آي»، عن وزير الخارجية الأميركي، قوله لناشطتين سوريتين، بعد ساعات من انهيار محادثات جنيف، يوم الأربعاء الماضي، أنه يتوقع «استمرار القصف على مواقع المعارضة المسلحة السورية خلال الأشهر الثلاثة القادمة وصولاً إلى إبادتها».
ووفقاً للموقع، فإن كيري، وخلال محادثة في حفل استقبال على هامش مؤتمر المانحين في لندن، قبل أيام، لامَ وفد المعارضة على «ترك محادثات جنيف وإفساح الطريق أمام هجوم مشترك من النظام السوري وروسيا في حلب».
كما أوضح تقرير «ميدل إيست آي» أن كيري شرح للناشطتين أن: «المعارضة لا تريد التفاوض أو وقفاً لإطلاق النار»، على حد وصفه.
وأضاف: «ماذا تريدون مني أن أفعل؟ أذهب للحرب مع روسيا؟ هل هذا ما تريدونه».
بالمثل يبدو موقف الصدمة الذي يعبر عنه حلفاء الولايات المتحدة الإقليميون من عجزها عن التدخل عسكريا وبشكل مباشر في الصراع السوري صادقا، وهو ما يظهر جليا سواء في التصريحات السعودية التي تبدي استعداداً للتدخل في سورية بشكل مباشر، أو في تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي لام الأميركيين مراراًَ على ما وصفه بالخذلان فيما يتعلق بالملف السوري، بل وصل الأمر بأردوغان للتساؤل (هل نحن حلفاؤكم أم إرهابيو حزب العمال الكردستاني؟).
وهي حالة صدمة سبق أن عاشها حلفاء أميركا في مراحل سابقة من عمر الصراع ,خصوصاً عقب اندلاع ما عرف بأزمة السلاح الكيمياوي السوري، كما عاشوها فيما يتعلق بمفاصل تاريخية أخرى في المنطقة آخرها وأهمها ما عرف بأزمة الملف النووي الإيراني التي انتهت عكس النهاية التي تمنوها وانتظروها لسنين طوال.
كذلك تذكرنا حالات الصدمة هذه بصدمة ما كان يسمى اليمين اللبناني بسبب المواقف الأميركية أواخر الحرب الأهلية اللبنانية، تلك الصدمة التي بلغت الذروة إثر عبارة المبعوث الأميركي إلى لبنان ريتشارد مورفي عام 1988 «مخايل الضاهر أو الفوضى»، قال مورفي عبارته الشهيرة تلك والتي خير فيها قوى اليمين اللبناني المتحالف مع أميركا بين الموافقة على انتخاب مرشح رئاسة الجمهورية الذي توافق عليه مع القيادة السورية، أو أن يغرق لبنان في الفوضى، جاءت عبارة مورفي بعد سنين من الصدام (السوري- الأميركي الإسرائيلي) في لبنان، والذي وصل حد قصف مواقع القوات السورية في لبنان من الأسطول السادس الأميركي، وحد إسقاط طائرات أميركية من الدفاعات الجوية السورية، وذلك عقب إخفاق الاجتياح العسكري الإسرائيلي للبنان في شطب الدور السوري وإدخال لبنان ضمن الفلك الإسرائيلي.
لكن حلفاء الولايات المتحدة الأميركية اعتادوا خلال كل المفاصل التاريخية السابقة وضع سيناريوهات تآمرية ساذجة لتفسير خطوات التراجع الأميركي، فالولايات المتحدة في ظنهم تتواطأ مع خصومها الدوليين والإقليميين (روسيا- إيران- سورية- المقاومة اللبنانية) من أجل إلحاق الهزيمة بنفسها وبدورها الإقليمي وبحلفائها المحليين، وبذلك يكون تراجعها ليس ناتجاً عن عجز أو خوف من ورطة عسكرية أو رغبة بالتكيف مع حقائق الصراع بل ناتج عن مؤامرة، ويمكننا أن نعيد حالة الإنكار تلك التي يمارسها حلفاء الولايات المتحدة من نظم وظيفية وحركات وأحزاب ونخب إلى الثقافة السياسية التي ينتمي إليها هؤلاء، والتي تقدس بل تؤله الدور الأميركي في منطقتنا وتنظر إليه على أنه كلي القدرة، وهي حالة اختصرها الرئيس المصري السابق أنور السادات بينما هو ينتقل من معسكر الحرب على إسرائيل إلى المعسكر الأميركي بقوله (99% بالمئة من أوراق اللعبة بيد أميركا).
لذلك يستمر السعوديون والأتراك في إستراتيجيتهم المحكوم عليها بالإخفاق سلفا والهادفة لتوريط الولايات المتحدة مباشرة في الصراع السوري، منطلقين من إيمانهم بقدرتها على حسم الصراع عسكرياً لمصلحتهم بينما أثبتت وقائع التاريخ في مراحل مختلفة أن الدول الاستعمارية الغربية (بريطانيا أو فرنسا أو الولايات المتحدة) كانت الأقدر دوماً على توريط واستخدام الأنظمة الوظيفية في المنطقة لحساب المصالح الاستعمارية الغربية، وصولاً لإحراقها مقابل تحسين شروط التفاوض مع القوى التي تواجهها.