سورية

التنظيم قد يقدم على عملية «استعراضية».. ولا مصلحة لإدارة أردوغان بفتح جبهات «خفض التصعيد» … الجفا لـ«الوطن»: شن «النصرة» هجمات على مناطق الجيش السوري انتحار له

| حلب- خالد زنكلو

أكد الباحث والخبير الاستراتيجي كمال الجفا في لقاء مع «الوطن»، أن شن تنظيم جبهة النصرة الإرهابي وحلفائه عمل عسكري باتجاه مناطق الجيش العربي السوري والتجمعات السكنية الآمنة، وفي مثل هذا التوقيت هو بمنزلة «انتحار عسكري وسياسي» للتنظيم الإرهابي، مشيراً إلى أن كل الجهود والاجتماعات والتصريحات التي صدرت عن الإدارة التركية تنم عن أن الجانب التركي يعارض هذه الخطوة ولا مصلحة له في فتح جبهات «خفض التصعيد»، ولم يستبعد الجفا أن يلجأ التنظيم الإرهابي إلى شن عملية عسكرية «استعراضية» تحفظ له ماء وجهه أمام داعميه الإقليميين والدوليين، من دون تغيير على خريطة السيطرة الثابتة الحدود منذ «اتفاق موسكو» الروسي- التركي مطلع آذار ٢٠٢٠.

وفيما يلي نص الحوار:

• منذ متى بدأت استعدادات «تحرير الشام» لشن هجوم باتجاه مناطق الجيش العربي السوري، وإلى أين وصلت راهناً؟

عمليات التدريب والتأهيل المستمر من «تحرير الشام» ومراكمة عوامل القوة، لم تكن مرتبطة بالتهديدات التي بتنا نسمعها خلال الأسابيع الماضية والمرتبطة بعوامل إقليمية ربطاً بغزة أو ما يجري في لبنان، بل هي عملية مستمرة متراكمة مرتبطة بعوامل داخلية تعيشها الهيئة ومتزعمها «أبو محمد الجولاني» أكثر مما هي مرتبطة حالياً بتهديدات خارجية أو أخطار تهدد حدود إمارته، وأن «الجولاني» ومن معه أكملوا استعداداتهم لخوض معركة متعددة الجبهات ممتدة على حيز واسع النطاق، معتقداً أنه قادر على إحداث خرق ما في أكثر من محور وخاصة على محور الطريق الدولي من نقطة الزربة- آفس- سراقب، حيث خطوط التماس متقاربة وتوازي الطريق الدولي ومنطقة سهلية مفتوحة لا توجد عوائق طبيعية أو تحصينات طبيعية تفصل بين خطي الجبهة.

• ما محاور الجبهات المتوقعة وطبيعتها الجغرافية وحالتها الميدانية؟

هناك محوران رئيسيان الأول، هو مناطق شمال حلب وشمال غرب الريف الشمالي، وهو ضمن السيطرة التركية، وتشمل مناطق جرابلس وقباسين ومارع واعزاز وعفرين، تقابلها على المحور المقابل منبج وتل رفعت وبعض القطاعات بشكل مباشر مع الجيش السوري.

والثاني، وهو المناطق أو الجبهات التي تتبع سيطرتها وقياداتها الميدانية بالكامل لـ«هيئة تحرير الشام»، ابتداء من ريف حلب الغربي وكفر تعال ثم كفر نوران ومعارة النعسان، وصولا إلى تفتناز ثم البارة وكنصفرة، وبعدها سفوهن، وهي مناطق تقع في جبل الزاوية المشرف على سهل الغاب.

وما هو متوقع وحسب المتابعة الميدانية وما يتم على الأرض، نلاحظ أن المعركة التي يخطط لها «الجولاني»، هي قطاع العمليات في ريف حلب الغربي ثم أورم الكبرى وأروم الصغرى فالشيخ علي ثم كفر حلب وطليحية، وصولاً إلى سراقب، ثم تتجه جبهة المواجهة إلى داديخ وكفر بطيخ والرويحية ثم معرة النعمان فكفر نبل، وصولاً للملاجة في جبل الزاوية المشرف على سهل الغاب.

• من شركاء «تحرير الشام» في المعركة المرتقبة المزعومة؟

«تحرير الشام»، اعتمدت خلال السنوات السابقة على تحالف واسع ضم معظم التنظيمات العسكرية الفاعلة على الأرض سمي «غرفة عمليات الفتح المبين»، وهذا التحالف مكون من قوى أساسية كبرى مثل «هيئة تحرير الشام» و«الجبهة الوطنية للتحرير» و«جيش العزة» وعدد آخر من الفصائل الصغيرة وتتوسع هذه الغرفة أحياناً وتتقلص أحياناً بشكل جزئي، ولم تشهد انشقاقات ضخمة أو انهياراً، لكنها بقيت عنواناً مرحلياً وتشكيلاً ميدانياً أكثر من هيئة أركان تملك السلطة والقيادة المطلقة، ولعبت فيها التحالفات الإقليمية والدولية كثيراً، وكمثال على ذلك رفض «الحزب الإسلامي التركستاني» الانضمام إلى هذه المعركة بناء على طلب تركيا، مع أنه القوة الضاربة المركزية والأكثر تدريباً وتسليحاً من بين باقي الفصائل المحلية، كما أن بعض الفصائل التركمانية وبناء على طلب تركي رفضت الانضمام إلى ما تدعيه «تحرير الشام» المعركة الكبرى لإعادة المهجرين من الشمال السوري إلى مناطقهم بعد إخفاق كل المبادرات والحلول التي انتظروها من الدول الداعمه لهم.

• ما جهوزية الجيش العربي السوري وحشوده وترتيباته على مختلف الجبهات، وخصوصاً غرب حلب؟

خلال الأسابيع الماضية تمت عملية مراقبة دقيقة لكل التحركات الميدانية التي تقوم بها غرفة عمليات «الفتح المبين»، وبالمقارنة مع المعارك والخطط السابقة التي اتبعتها الهيئة في معاركها مع الجيش العربي السوري، لم نشاهد استعدادات حقيقية على أرض الواقع، ولكن ومع كل تلك الشائعات، ورغم كل الضجيج حول خطط الهيئة وفصائل المعارضة والتي تجسدت في ضخ إعلامي كبير وبعض الأرتال العسكرية التي تتحرك على جبهات قتالية متعددة لا تلبث أن تسحب إلى جبهات أخرى مع حملة التهجير التي قام بها أمنيو «الهيئة» لإخلاء قرى ومدن الحافة أي خطوط التماس، وقالت بعض المصادر لنا إن الهيئة ستعتمد على تشكيل العصائب الحمراء باستخدام انغماسيين وضمن توقيت مفاجئ للجميع، لكن على أرض المواقع وعسكرياً تحتاج هذه التحضيرات إلى قوى دعم لوجستي وتحريك آليات ودبابات وسيارات دفع رباعي وربما مفخخات قد تكون الهيئة قامت بتجهيزها لهذه المعركة.

من وجهة نظري، هناك عملية دعائية كبرى أكثر منها واقعية، والهدف منها لفت الأنظار إليها وأهميتها كقوة مسيطرة على الأرض للفت أنظار المؤثرين في الملف السوري بعد تصاعد التصريحات التركية الإيجابية حول ضرورة التسوية والتقارب مع الدولة السورية، من دون أن يكون لهذه القوى أي دور أو تنسيق مع الجانب التركي أو السوري وعن دورهم في هذه التسوية أو المصالحة إن حدثت.

أما الاستعدادات التي قام بها الجيش العربي السوري ونقل قوات ضخمة لمجموعات الاقتحام إلى الخطوط الأولى وجيهات القتال، فتدل على أن القيادة السورية اتخذت قرار التحرير والتقدم وتطهير هذه المناطق من سيطرة هذه المجموعات وليس من أجل منعها من شن أي هجوم على المناطق أو الجبهات التي تعتبرها غرفة عمليات «الفتح المبين» أنها رخوة وقادرة على إحداث خرق فيها، وخاصة محور سراقب- آفس أو ريف حلب الغربي.

• لماذا اختيار حلب بالتحديد، بهذا التوقيت؟

اختيار مدينة حلب لما تمثله من وزن وقيمة صناعية وتجارية ومساحات زراعية مهمة، وهو حلم راودهم كثيراً لاعتقادهم بأن تركيا خذلتهم عندما وقعت اتفاقيات الهدنة و«خفض التصعيد»، والتي أجبرتهم أمام ضربات الجيش العربي السوري على الانكفاء إلى مناطق إدلب، لاسيما أن التشكيل السكاني في إدلب متناحر وغير متجانس وغير متوافق بكل شيء، وبالتالي، ربما بإعادة احتلال حلب تتوسع مناطق سيطرتهم التي تعتبر الأكثر كثافة سكانية في العالم وربما تفتح مشروعاً تقسيمياً جديداً يتواقف مع الرغبات الأميركية والغربية ويشكل ضغطاً متزايداً على الدولة السورية ويقلص مساحة سيطرتها ويوصل مناطق «الجولاني» مع بعضها ما يدفعه للسيطرة على مناطق النفوذ التركي في مناطق الحكومة المؤقتة.

• هل موقف إدارة أردوغان صادق وجدي بمعارضة هجوم «تحرير الشام»، وما الإجراءات التي اتخذتها لمنعه؟

حتى الآن لم يتضح أن إدارة أردوغان تراوغ أو تساير «الجولاني» في منعه من تنفيذ هذا الهجوم كما يدعي، وكل الجهود والاجتماعات والتصريحات التي صدرت عن الإدارة التركية يلاحظ فيها أن الجانب التركي يعارض هذه الخطوة وسيحاول منعها وإن قامت «الهيئة» بأي هجوم لا يحظى بموافقة تركية فإن تركيا غير ملتزمة أو ستتحلل من كل التفاهمات والاتفاقيات فيما يتعلق بمناطق «خفض التصعيد».

وأوصلت المخابرات التركية الجمعة الماضية رسالة إلى «الجولاني» بأن أي مغامرة من قبله لتنفيذ هجوم واسع على أي منطقة ضمن مناطق «خفض التصعيد»، فهي غير ملتزمة بوقف الجيش السوري أو منعه من التقدم إلى أي منطقة تسيطر عليها «الهيئة»، ومن الواضح حتى الآن أنه لا مصلحة ولا رغبة تركية في فتح أو تحريك هذه الجبهات، وتركيا تستطيع أن تحدث شللاً كاملاً بكل منظومات أو مقومات الحياة في مناطق «الجولاني»، فلا أعتقد أنه سيقدم على خطوة متهورة، ويناكف تركيا ويفتح هذه المعركة التي قد تفقده مناطق ومساحات سيطرة جديدة وهذا يعتبر انتحاراً عسكرياً وسياسياً، ولا ننسى أن كل الحروب التي خاضتها المعارضة السورية ضد الجيش السوري كانت بتغطية إقليمية ودولية وهذا غير متوفر حالياً.

• ما الرد المتوقع من موسكو في حال بدء الهجوم، وما دور القوات الجوية الروسية؟

منذ ثلاثة أيام وقبل بدء أي هجوم ومن خلال المتابعات الميدانية الاستطلاعية التي يقوم بها «الجولاني» وجماعته، بدأت الطائرات الروسية بتنفيذ هجمات واسعه جداً على مواقع ومراكز ومقرات شهدت مؤخراً تجمعات وتعزيزات وخطوط إمداد خلفي لأي معركة قادمة، كما شملت أيضاً الغارات معسكرات تدريب كانت تستعد لتخريج دفعات جديدة من مجموعات النخبة، وخاصة «أشبال المهاجرين» و«العصائب الحمراء»، التي سيعول عليها «الجولاني» في حال بدء أي عملية عسكرية.

• ما مصير اتفاقيات «خفض التصعيد» في حال القيام بهذا العمل العسكري؟

من الطبيعي أن كل اتفاقيات «خفض التصعيد» ستكون في حكم المنتهية، لأن المناوشات والهجمات التي قام بها «الجولاني» وحلفاؤه على مواقع الجيش السوري أبقت جميع الأطراف ملتزمة بها، في ظل الدور التركي الضاغط أحياناً والداعم أحياناً لهذه الفصائل، لم يتم تغيير خطوط الجبهات أو حدود السيطرة لجميع الأطراف، حتى إن الجانبين السوري والروسي كانا دائماً يلتزمان بتطبيق حرفي لهذه التفاهمات، وفي حال بدء «الجولاني» وحلفائه العملية العسكرية فيعني أن الجميع في حلٍّ من هذه الاتفاقيات إن كانت سورية أو روسيا، وحتى تركيا ستكون في حلٍّ من أمرها لحماية حدود هذه المجموعات الإرهابية.

• هل تتوقع شن الهجوم، وما الذي يحول دون تنفيذه؟

ربما يعمد متزعم «النصرة» إلى فتح معركة استعراضية أكثر منها حقيقية، لأن الجيش السوري قام بحشد قوات النخبة لديه وقام بتعزيز الجبهات ونقل عتاداً ثقيلاً وراجمات صواريخ ودبابات وقوات اقتحام، وليس تثبيتاً أو تدعيماً لخطوط الجبهات، بل نقل قوات خاصة اقتحام سبق لها أن شاركت في تحرير كثير من المناطق السورية وتملك الخبرة الميدانية والعملياتية لاجتياح المنطقة، وهذا يحتاج إلى قرار سياسي فقط، وربما تشكل الضربات الروسية الاستباقية مخرجاً لـ«الجولاني» للتراجع عن هذا الهجوم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن