مرحلة ما جرى في الأول من تشرين تفرض ردعاً متعاظماً على الكيان
| تحسين حلبي
بعد اتفاقية كامب ديفيد عام 1979 بين القاهرة وتل أبيب وخروج حكومة مصر من التزاماتها التاريخية في الصراع العربي الصهيوني ومقاومة مشروعه ضد الشعب الفلسطيني استغلت حكومة تل أبيب الاختلال الذي ولدته موافقة مصر في تسويتها المنفردة مع الكيان الإسرائيلي في ميزان القوى في المنطقة، فقامت بشن حرب اجتياح شاملة على لبنان في حزيران 1982 بدعم أميركي وغربي علني، وبعد شهرين من الاجتياح الإسرائيلي اتخذت واشنطن وحلفاؤها قراراً بإرسال قوات أميركية وبريطانية وفرنسية وإيطالية إلى لبنان ونشرها في بيروت في 23 آب 1982 لحماية قوات الاحتلال الإسرائيلية وتنفيذ خطة فرض شرق أوسط جديد ينهي دور سورية ومن تدعمه من فصائل المقاومة الوطنية والإسلامية اللبنانية والفلسطينية. وكانت إيران في تلك السنوات من الثمانينيات في قمة انشغالها التام بمواجهة الحرب التي شنها عليها الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين عام 1980، وفي ظل هذا الوضع كانت قوى الاستعمار الغربي وتل أبيب تعتقد أنها ستنجح هذه المرة بفرض شرق أوسط جديد إلى أن تمكنت قوى المقاومة في لبنان بدعم من الجيش السوري من إجبار قوات الدول الأربع العظمى على الانسحاب بعد عمليتين شنتهما المقاومة اللبنانية على قاعدة الجيش الأميركي والفرنسي في 23 تشرين الأول عام 1983 ومقتل 250 من المارينز الأميركيين وخمسين من الكوماندو الفرنسيين فسارعت الدول الأربع إلى سحب قواتها في 23 شباط عام 1984 من دون قيد أو شرط تاركة الجيش الإسرائيلي وحده في ساحة المواجهة، وبهذا الشكل تم إحباط أكبر مخطط لفرض شرق أوسط جديد تنخرط في تنفيذه إلى جانب إسرائيل أكبر أربع قوى استعمارية تاريخية.
بعد تحرير لبنان عام 2000 عادت الولايات المتحدة ومعها إسرائيل إلى تكرار المحاولة في تموز 2006 عبر لبنان وجنوبه المقاوم مستغلة خروج القوات السورية من لبنان عام 2005، فشنت إسرائيل اجتياحاً لاحتلال الجنوب وتصفية المقاومة ومحاصرة سورية وإنهاء دورها هي ومحور المقاومة، وأعلنت وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس في ذلك الوقت من بيروت نفسها وأثناء المعارك في الجنوب عن اقتراب تحقيق شرق أوسط جديد وكبير لمصلحتها، إلا أن المقاومة دحرت الجيش الإسرائيلي وأجبرته على الانسحاب مرة أخرى من الجنوب وكبدت قواته خسائر فادحة، وإذا كانت الإدارتان الأميركيتان اللتان أعلنتا عن هذا المخطط عام 1983 وعام 2006 هما من الحزب الجمهوري، فإننا نشهد الآن بعد عملية «طوفان الأقصى» والحرب الإسرائيلية على جبهة المقاومة منذ تشرين الأول 2023، محاولة جديدة لخلق شرق أوسط جديد تتولى تنفيذها هذه المرة الإدارة الأميركية بقيادة الحزب الديمقراطي والرئيس الأميركي جو بايدين، فقد أعلن الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميللير في الثالث من شهر تشرين الأول الجاري في المؤتمر الصحفي الذي يعقده كل يوم أن «الولايات المتحدة لم ترغب مطلقاً في رؤية أي حل دبلوماسي مع حركة حماس»، وأضاف: إن إدارة بايدين «تسعى في موضوع لبنان إلى حل مع إيران ومع حزب الله» محاولا الفصل بين الجبهتين، لكن الجميع يعرف أن بايدين ما زال يراهن على دور المذابح التي ترتكبها إسرائيل في لبنان وخاصة بعيد اغتيال أمين عام حزب اللـه الشهيد حسن نصر اللـه لكي يمهد لمشروع شرق أوسط جديد، والكل يرى أنه لا يريد حلاً دبلوماسياً لموضوع لبنان إلا بعد تصفية المقاومة اللبنانية، فقد قال بايدين بعد اغتيال نصر اللـه: إن «هذا الإجراء عادل»، وهذه السياسة العلنية تعني أن التخلص من المقاومة في القطاع وفي لبنان ستعد في نظر تل أبيب وواشنطن ثالث محاولة «لخلق شرق أوسط إسرائيلي– أميركي» لن تحلم بتحقيقه تل أبيب ولا واشنطن، فحرب الاستنزاف التي تشنها المقاومة للسنة الثانية مستمرة وتدعمها كل أطراف محور المقاومة وخاصة بعد الهجوم الإيراني الصاروخي على الكيان الإسرائيلي وتعزيزه لإمكانية تدمير قدراته، فقد شكل ذلك الهجوم انطلاق مرحلة جديدة في زيادة قدرة الردع التي تحققها المقاومة لفرض جدول عمل مرحلة ما بعد ذلك الهجوم ومضاعفاته على واشنطن وتل أبيب، واعترفت الولايات المتحدة قبل غيرها، بأن وجود زيادة قدرة الردع هذه ستتطلب إجراء حسابات إسرائيلية جديدة على طبيعة ومدى استمرار حرب الاستنزاف التي تشنها المقاومة ضدها حتى الآن، وهذا ما سوف يشكل أول المعالم المؤكدة لإحباط مشروع خطة خلق شرق أوسط جديد أميركي– إسرائيلي بوساطة هذه الحرب الإسرائيلية– الأميركية على الشعب الفلسطيني واللبناني ومحور المقاومة.