لويس وتقسيم المقّسم
| حسن م. يوسف
ربما كان «المثقف هو مَن حملَ الحقيقة في وجه القوة»، كما يقول المفكر نعوم تشومسكي، لكن المثقف عندما يضّيع بوصلته الأخلاقية يصبح أخطر من كل الزواحف السامة والضواري الفتاكة التي مرت على وجه هذه الأرض.
بينما كانت حرب الخليج الأولى مستعرة بين العراق وإيران في مطلع ثمانينيات القرن الماضي كان اليهودي البولوني الداهية زبغنيو بريجنسكي يشغل منصب مستشار الرئيس الأميركي للأمن القومي، وقد اقترح على الإدارة الأميركية آنذاك (تنشيط) حرب خليج ثانية على هامش الحرب الأولى، كي تستطيع أميركا من خلالها «تصحيح حدود اتفاقية سايكس بيكو».
وقد التقط طرف هذا الخيط يهودي آخر لا يقل دهاء عن بريجنسكي هو برنارد لويس.
ولد برنارد لويس في لندن عام 1916 من أسرة يهودية من الطبقة الوسطى، في عام 1936 تخرج في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية في جامعة لندن، وفي عام 1939 حصل على شهادة الدكتوراه في تاريخ الإسلام.
خلال الحرب العالمية الثانية عمل لويس في الاستخبارات البريطانية في الشرق الأوسط، وبعد الحرب عمل أستاذاً لتاريخ الشرق الأدنى والأوسط في كلية الدراسات الشرقية بلندن، وقد أصدر العديد من الكتب، ويقال إنه كان من أبرز الكتّاب المفضلين لرئيسة وزراء الكيان السابقة غولدا مائير.
في عام 1974 انفصل لويس عن زوجته الدانماركية هيلين روث، بعد افتضاح قصة غرام قصيرة بينه وبين أميرة تركية، وقد أثر انهيار زواجه في مكانته بين يهود بريطانيا، فهاجر إلى الولايات المتحدة، حيث عمل في جامعة برنستون وحصل على الجنسية الأميركية في عام 1982.
في تلك المرحلة عزز برنارد لويس ارتباطه بالمحافظين الجدد الذين نشأت حركتهم في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، وقد وصفه المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد بأنه «مستشرق من الطراز القديم ليست لديه مشاعر تجاه دول المنطقة باستثناء تركيا»، ذلك لأن برنارد لويس كان ينكر مذابح الأرمن ويرفض تسمية ما حدث بالمجزرة، بل كان يعتبرها «أعمالاً مؤسفة أودت بحياة أتراك وأرمن على حد سواء».
ما يعنينا من برنارد لويس بالدرجة الأولى هو أنه أحد من صاغوا إستراتيجية المحافظين الجدد بعدائهم الشديد للعرب والمسلمين، وقد اتضحت هذه السياسة في تصريحه المشهور عام 2005 حيث قال: «إن العرب والمسلمين قوم فاسدون مفسدون فوضويون لا يمكن تحضيرهم، لذلك فإن الحل السليم للتعامل معهم هو إعادة احتلالهم واستعمارهم وتدمير ثقافتهم الدينية. كما أنه من الضروري إعادة تقسيم كل البلدان العربية والإسلامية إلى أقاليم وكانتونات عشائرية وطائفية». كان هدف برنارد لويس من ذلك هو أن يصبح ما يدعى بالشرق الأوسط مجموعة كيانات لأقليات دينية، الأكبر بينها هو الكيان السرطان، ويحلم الصهاينة المتعصبون من خلال تحقيق هذا المخطط بأن تصبح (إسرائيل) «قوة امبريالية عالمية رديفة للولايات المتحدة».
صحيح أن نجاح المخطط يبدو مثل «أمل إبليس في الجنة»، لكن الصهاينة والمتصهينين يقومون بتحييد قوى المنطقة بالتقسيط. والموجع حقاً هو أن بعض (العرب) يساهمون في هذا المشروع بالصمت وأشكال أخرى، ناسين أو متناسين أنهم عرب وأن «العربي الجيد هو العربي الميت». على حد قول الجنرال الصهيوني رفاييل إيتان.