مهنيون بلا رحمة
| ميشيل خياط
روى صديق أن أحد سكان البناء رغب في تركيب مجموعة ألواح طاقة شمسية لتوليد الكهرباء فإذا بصاحب ورشة التركيب يضع الألواح فوق دش الصديق ما حرمه من مشاهدة كل أقنية التلفاز…!!.
ثمة تداعيات كثيرة لهذه الواقعة، لكنها بحد ذاتها مؤشر مهم ودليل قطعي على أن المهني المذكور يفتقر إلى الحس الاجتماعي وهو ما يميز الإنسان وما يُعلي من شأنه، لا يشعر بالآخرين ولا يقيم لهم وزناً، ولعل هذا الاستهتار نتاج غياب التربية والثقافة والعلم.
وهذا ما يجعلنا نلح على ضرورة أن يكون المهني. _ المعاصر _ خريج المدرسة المهنية التقنية.
وان تضطلع بمثل هذه الأعمال، المدرسة ذاتها بأيدي طلابها وبإشراف مدربيهم، ملتزمة بقواعد وأنظمة أداء حضارية، وهذا ما أجازه لها القانون 38 منذ ثلاث سنوات ونيف.
إن عدم تنفيذ هذا القانون، يحرم سورية والسوريين من دواء ناجع جداً لكثير من الصعاب والأزمات الاقتصادية والاجتماعية.
ففي وقت شهدنا فيه، نسبة فقر وصلت إلى 80 بالمئة من السوريين، و90 بالمئة من الأسر السورية تعاني انعدام الأمن الغذائي حسبما أوردته د. رشا سيروب الأستاذة في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق في أحدث محاضرة لها «الوطن» 5/10/2024، يتكبد من نكب بتركيب جاره للطاقة البديلة، 400الف ليرة ثمن شريط «كبل» من سطح البناء إلى بيته بحجة أن سعر المتر 4500 ليرة ثم يكتشف أنهم يبيعون المتر بسوق الكهرباء في المرجة بدمشق بـ2500ل.س…!!
وينشر أحد المواقع أن أحدهم أخذ 250 ألف ليرة سورية أجرة تركيب خلاط مغسلة في حي الصليبة باللاذقية.
طلب عامل صيانة في دكان «موبايلات» 300 ألف ليرة لإصلاح مأخذ الشحن وحساس الشاشة، ولعبت المصادفة دورها، إذ لم يكن في جيب الراوي هذا المبلغ، بحث عن محل آخر في اليوم الثاني، فأنجز الإصلاح بستين ألف ليرة، في الحي ذاته «إذا خليت بليت».
والأمثلة كثيرة. يطلب أحد النجارين 800 ألف ليرة لقشط وبخ طربيزة، ويشترط مهني ألمنيوم أن يتقاضى مئة ألف ليرة للذهاب إلى بيت وفك منخل لإصلاحه في ورشته ومئة ألف ليرة أخرى لتركيبه مرة ثانية…!!.
والويل الويل لمن يخرب عنده البراد أو تتعطل لديه الغسالة أو المروحة. يتكئون على غلاء التكاسي والحقيقة أن العلة تكمن في الندرة. طلب كثير عليهم، وعددهم قليل.
أجور إصلاح باهظة جداً هي الكاسر لظهور ذوي الدخل المحدود أكثر بكثير من الغذاء اليومي.
والحل موجود لكنه لا يحظى باهتمام أصحاب القرار للأسف الشديد.
لدينا 480 مدرسة مهنية تقنية، أجاز القانون 38 تحويلها إلى مراكز إنتاجية، وهي تحتوي على 24 مهنة على الأقل، نجارة وحدادة وإصلاح سيارات وطاقة شمسية وتكييف وخراطة وحواسب وكهرباء وخياطة… إلخ، إذا ما طبقت القانون، تفتح أبوابها للناس، يستفيدون من كنوزها بأخلاق الشروط القانونية، تريحهم من الاستغلال البشع لمهنيين، وجدوا في الظروف الصعبة وعلى رأسها الحرب التي تحصد أرواحاً كثيرة وتجرح وتدمر وتشرد، فرصة سانحة لرغد العيش وتجميع الثروة لشراء منزل وسيارة..!
لكن فوائد القانون 38 للعام 2021 لا تقتصر على هذا الجانب المهم، بل إن له فوائد كبرى مثل تشغيل الطلاب في المصانع للتدريب والإنتاج أو قيام المدارس بصفتها مراكز إنتاجية، بإنتاج سلع صناعية وبيعها في الأسواق ما يدر ربحاً مجزياً على الطلاب أولاً، وسيشكل هذا الربح حافزاً مغرياً للإقبال على التسجيل طوعاً في المدارس المهنية والتقنية، التي تمنح طلابها شهادة ثانوية عامة.
تعرفت مؤخراً على الأستاذ محمد حمود معاون مدير التعليم المهني والتقني في وزارة التربية وهو عملياً المدير الفعلي بعد انتقال المدير السابق إلى مؤسسة طباعة الكتب المدرسية بصفة مدير عام، قلت له وقد توسمت في أدائه خبرة عميقة: ما سبب الإخفاق في تنفيذ القانون 38…؟.
أجاب: موظف صغير في وزارة المالية، يعرقل كل جهودنا….!!!
إذاً عدلوا القانون، واجعلوا الأداء بعيداً عن عباءة وزارة المالية. هذا هو الحل لنربح دواء ناجعاً لكثير من صعابنا التربوية والاقتصادية والاجتماعية.