قوة ردع المقاومة تثبت دورها في رسم جدول عملها
| تحسين حلبي
بعد عام على عملية «طوفان الأقصى» وحرب الإبادة التي يشنها الكيان الإسرائيلي في كل ساعة ويوم على جبهتي قطاع غزة وجنوب لبنان وبيروت، أصبحت المنطقة تتجه نحو خيارين الأول هو: إما أن يتوقف جيش الاحتلال عن عملياته العسكرية بموجب اتفاق يلبي شروط المقاومة الفلسطينية واللبنانية، وتنتقل المنطقة إلى وضع لا يشبه ما قبل عملية «طوفان الأقصى» بل إلى وضع يكون فيه جدول عمل المقاومة هو متابعة تحقيق الأهداف المرحلية المستمدة من نتائج المواجهات وتعزيز وحدة الصف، والخيار الثاني هو أن تتصاعد وتتسع المجابهات الحربية فتندلع حرب إقليمية في المنطقة تشتبك فيها بشكل مباشر قوات أميركية إلى جانب القوات الإسرائيلية ضد كل قوات محور المقاومة دولاً ومنظمات مقاومة، ويبدو أن طبيعة السياسات التي اتخذها رئيس حكومة الكيان بنيامين نتنياهو مع الولايات المتحدة تدل على أنه سعى وما زال يسعى إلى دفع الولايات المتحدة نحو مثل هذا الخيار الذي يجعلها تنخرط بشكل عسكري مباشر بقواتها في حماية إسرائيل من إيران بصفتها القوة الإقليمية الكبرى لمحور المقاومة، كما لا يمكن أن نستغرب تزايد إصرار نتنياهو على توريط واشنطن بحرب مباشرة بعد النتائج التي حققها القصف الصاروخي الإيراني في الأول من تشرين الأول الجاري حين تمكنت طهران من ضرب أهداف عسكرية إستراتيجية من بينها قاعدة الطائرات الحربية الإسرائيلية الحديثة «إف 35»، فقد حملت هذه العملية العسكرية الإيرانية التي جاءت كرد إيراني على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران واغتيال أمين عام حزب اللـه حسن نصر الله، قدرة ردع إيراني إستراتيجي يخيف إسرائيل والولايات المتحدة، وهذا ما جعل نتنياهو الخائف من تزايد قوة الردع الإيراني يقوم باستدعاء الولايات المتحدة للمشاركة العسكرية المباشرة، فاختارت واشنطن على ما يبدو طريقة ترسل فيها بطاريات الدفاع الجوي الحديثة من نوع «ثاد» لإسرائيل لكي تضمن وجود قدرة جديدة للدفاع عن الكيان من جهة، وإبلاغ نتنياهو من جهة أخرى بعدم التصعيد في هذه الظروف التي أثبتت فيها إيران قدرة على الرد على كل تصعيد، وكأن الرئيس الأميركي جو بايدين يريد أن يدعو نتنياهو إلى عدم الاستهتار بقوة محور المقاومة وقدراته الإقليمية، وهذا ما جاء في تحليل الكاتب السياسي الأميركي تيد سنايدير في مقال نشره في المجلة الإلكترونية «أنتي وور» في 17 تشرين الأول الجاري حين أكد أن «إيران أبرزت قدراتها في الأول من تشرين الأول على تجاوز أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية وتمكنت من ضرب أهداف عسكرية مهمة في إسرائيل بصواريخ باليستية، وتمكّن حزب اللـه إضافة إلى ذلك من تأكيد قدرته على تجاوز أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلي بوساطة استخدام الحزب مسيرّات ذات سرعة محسوبة تتيح لها الإفلات من الدفاعات الجوية الإسرائيلية».
وحذر سنايدير من تشغيل بطاريات (ثاد) الأميركية للدفاع الجوي من الجنود الأميركيين المختصين المئة الذين أرسلتهم وزارة «الدفاع» الأميركية لهذه المهمة مع البطاريات، فعند تشغيلهم لهذه الدفاعات يكونون قد صوبوا صواريخ «ثاد» من داخل أراضي إسرائيل ضد صواريخ إيران، وهذا يعد مشاركة أميركية مباشرة من داخل القواعد العسكرية الإسرائيلية ضد إيران، وإذا ما قتل أحد هؤلاء الجنود بصواريخ إيرانية فستعد نتيجة كهذه إعلان حرب أميركية على إيران وهو ما يرغب فيه نتنياهو وتعمل واشنطن على تجنبه بموجب ما يكرر الرئيس الأميركي بايدين، ولذلك يرى الخبراء الأميركيون أن تنفيذ الرد الإسرائيلي على صواريخ الأول من تشرين الأول الإيرانية سيجعل طهران ترد بشكل أشد، وقد تدفع تطورات التصعيد إلى تورط أميركي لا يمكن ضمان نتائجه لمصلحة واشنطن وحلفائها في المنطقة، وهذا ما يجعل احتمال إيقاف التصعيد ضد إيران بالذات موضوعاً قائماً قد تضغط إدارة بايدن في آخر أسابيعها لفرضه على إسرائيل وانتظار مرحلة ما بعد الانتخابات الأميركية.
وفي كلا الخيارين، الاتفاق أو التصعيد، يبدو أن محور المقاومة ما زال يحافظ بمجموع قدراته على قوة ردع تضع واشنطن لها حسابات كثيرة حتى لو لم تشاركها إسرائيل في هذه الحسابات.