قضايا وآراء

«البجع الأسود» والانتخابات الرئاسية الأميركية

| د. قحطان السيوفي

قبل أيام على موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، أصبحت المنافسة بين الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب والديمقراطية نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس أشبه بعراك الأيادي.

أيام تفصلنا عن هذا الموعد، تبدو سموات واشنطن مملوءة بالبجع الأسود المحلّق فوقها والكثير من الأميركيين يرون أن «نظرية البجع الأسود» تشير لصعوبة التنبؤ بالأحداث المفاجئة، وتقوم على فكرة أن البجع كله أبيض، أما وجود البجع الأسود فهو نادر ومفاجئ، وتنطبق هذه النظرية على الأحداث التي لا يمكن التنبؤ بها أو كان احتمال وقوعها غير وارد على الإطلاق، المراقبون يرون إشارات عدة بأن بجعاً أسود يحلّق فوق سموات الولايات المتحدة، ما يجعل الأيام المتبقية لانتخابات الرئاسة الأميركية مجالاً خصباً بما لا يمكن تنبؤه سواء على صعيد تحديد المرشح الفائز، أو تهديده في حياته، ناهيك عن مسارات العنف المتوقعة يوم الاقتراع، وبعده.

والمراقبون يرون أن الأمر بدأ بثورة الطبيعة؛ وبالأعاصير التي ضربت ولاية فلوريدا، بدءاً من إعصار هيلين وصولاً لإعصار ميلتون المدمر.

وقد أُثير جدل وخلافات حول الاستعدادات التي كان يجب اتخاذها لمواجهة الأعاصير، لتصبح مادة للصراع الحزبي بين الجمهوريين والديمقراطيين، وتجاوز الأمر المنافسة إلى الصدام بسبب الخسائر الهائلة بالممتلكات والأرواح، وتساؤل عن «من المسؤول؟» علماً أن حاكم الولاية جمهوري، والجمهوريون يلقون باللوم على إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، ونائبته هاريس.

ومن بين تنبؤات البجع الأسود تأتي تصريحات بايدن في الخامس من تشرين الأول 2024، حيث تخوف من عدم سلمية الانتخابات الرئاسية المقبلة، فهل هي نبوءة؟ أم إنه وحزبه يخططون له، ولا سيما في حال فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب؟ علما أن ترامب هدأ من نبرته الصدامية مؤخراً، ولمح باستعداده لقبول نتائج الانتخابات، إذا فاز الديمقراطيون.

توقع المواجهات المسلحة، والدور المرسوم من جانب اليسار الديمقراطي، بقيادة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما من وراء الكواليس، والتصريحات من الديمقراطيين، لا توفر نياتهم بعزل ترامب حتى لو فاز، استناداً إلى البند الثالث من التعديل الـ14 من الدستور الأميركي.

توقعات البجع الأسود المُحلّق فوق سموات واشنطن تشمل جماعات العنف المسلح في الداخل؛ من البيض الأنجلو ساكسون الخائفين على ديموغرافيتهم وسيادتهم التاريخية، في مواجهة اليسار الذي يسعى إلى أصوات الأميركيين الليبراليين المهاجرين من العالم الثالث.

من بين هؤلاء، مهاجر أفغاني، عمل مترجماً للقوات الأميركية في أفغانستان، وقد أُلُقي القبض عليه مؤخراً، وبتهم الإعداد لهجمات مسلحة في العاصمة نهار الانتخابات، مستلهماً روح تنظيم «داعش»، وكانت ستستهدف حياة المرشح الجمهوري ترامب.

في تطور غير مألوف في الساحة السياسية الأميركية، أعرب نحو 700 مسؤول عسكري وخبراء في الأمن القومي، في رسالة علنية، دعمهم لهاريس، ما يثبر تساؤلات بشأن دور الدولة الأميركية العميقة في إظهار العداء لترامب، ويتساءل المراقبون عن توقعات أخرى لبجع أسود عما قريب؟ بينما استطلاعات الرأي، في بعضها، تعطي أفضلية طفيفة لهاريس على ترامب، ويبدو أن سنّ هاريس بحدّ ذاته يعطيها ميزة، فالكثير من الأميركيين، كان ينتابهم قلقٌ من قدرة بايدن وكفاءته، بسبب الشيخوخة، واليوم أصبح سنّ ترامب أحد العوامل السلبية ضدّه، وبالمقابل بدأت حركة «غير ملتزم» التي شكّلها العرب الأميركيون في ميشيغان ضدّ بايدن بإرسال إشارات إيجابية نحو هاريس، بعد موقفها المتباين مع بايدن حيال غزة، وموقفها المتعاطف نوعاً ما مع الاحتجاجات الطلابية ضدّ الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين.

ثمة شعورٌ لدى كثر في المنطقة العربية أن ما من فرق بين هاريس وترامب، فكلاهما مؤيّد لإسرائيل، «الخل أخ الخردل» لكن ثمة تحولاً نوعياً في الحزب الديمقراطي لدى الشباب، بدأ يقترب تدريجياً نحو الاعتراف الجدّي بالحقوق المشروعة للفلسطينيين، وربما لتغييرٌ في موقف الحزب الديمقراطي نحو القضية الفلسطينية.

موقف ترامب معروفٌ بتأييده الأعمى لإسرائيل واحتقاره للفلسطينيين ونيّته تنفيذ ما يدعوه «صفقة القرن» لتصفية القضية الفلسطينية.

في سياق توقعات البجع الاسود تتميز الانتخابات الرئاسية الأميركية ببعض الأحداث غير المتوقعة والتي يطلق عليها اسم «مفاجأة تشرين الأول»، وهذه قد تغير مسار ونتائج الانتخابات، ولكن هناك ثلاثة أنواع من «مفاجأة تشرين الأول»: الأول: يتعلق بملف السياسة الخارجية، والثاني يتمثل عند وقوع فضيحة سياسية أو عودة فضيحة قديمة إلى دائرة الإعلام، والثالث: هو عندما تكون هناك كارثة طبيعية أو انتشار وباء خطير أو تحقيق جنائي، فيما ملامح المشهد الانتخابي الأميركي الراهن يشير للاتجاهات الرئيسية التالية:

أولها، صعوبة التنبؤ بالمرشح الفائز.

ثانيها، التصويت في الانتخابات الرئاسية بالأساس هو تصويت عقابي، وهي سمة مميزة للأجنحة المتطرفة للحزبين الرئيسيين.

ثالثها، هناك عدد من العوامل ساعدت ترامب مؤخراً على تدعيم شعبيته، أهمها محاولتا الاغتيال اللتين تعرض لهما.

رابعها، تدني مستوى الخطاب في تصريحات ترامب، ومنها أن المهاجرين يأكلون لحوم الكلاب والقطط.

وخامسها، يُظهر التأثير الكبير للمال في الانتخابات الأميركية، وآخرها مرحلة البحث عن الذات، فحالة التذبذب الشديدة في اختيار الرئيس الأميركي خلال السنوات الماضية؛ تشير إلى حالة من الحيرة المجتمعية.

ويبقى البجع الأسود المُحلق في سموات الولايات المتحدة يشي بأحداث ما كان يمكن توقعها مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، وبات أميركيون كثيرون يتخوفون من سيناريو اندلاع أعمال عنف بعد إعلان النتائج، وخصوصاً في حال خسارة المرشح الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب وربما لا يعترف بالهزيمة على غرار ما فعله عندما فاز الرئيس جو بايدن بانتخابات عام 2020.

وزير وسفير سوري سابق

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن