كلام في الهواء!
| عصام داري
سألني جاري الذي يتابع ما أكتب- الحمد لله هناك من لا يزال يقرأ- لماذا تهرب من الكتابة عن واقع الحال والأحوال فتذهب إلى الحديث عن الطبيعة وتذهب إلى الفصول والموسيقا والفن والأدب وغير ذلك؟
فكان جوابي سؤالاً رداً على سؤال، فقلت:عن أي شيء تريدني أن أكتب؟
ما إن تلفظت بهذه الكلمات حتى فتح دفتراً كان بحوزته وبدأ يقرأ: «شوف يا سيدي، لنبدأ بالعلف، أي نعم العلف، ولا يهم إذا كان المقصود طعام الحيوانات أم طعام الناس، في المحصلة هو طعام».
هل يمكن تفسير وجود أزمة علف للدواجن والحيوانات في بلد زراعي من الطراز الأول؟
قلت بيني وبين نفسي: بداية لا تبشر بالخير، فتابع جاري العزيز قائلاً: وطبعاً أزمة العلف الحيواني ستؤدي إلى ارتفاع أسعار الدواجن بجميع أشكالها من الدجاج إلى البط والإوز والحبش وبالتالي يرتفع سعر الفروج والشاورما والهم.. برغر، وعندنا ما يكفي من الهموم، وهذا سيؤدي إلى ضعف القدرة الشرائية لدى المواطن، وخاصة أنت تعرف أن الرواتب والأجور محدودة ومهدودة فهي لا تكفي لشراء مازوت التدفئة والخبز الحاف، مع أن الخبز الحاف يعرض الأكتاف.
المصيبة أن يمتلك المواطن سيارة عتيقة و«مهرهرة» عندها عليه أن يدفع راتبه كاملاً لتعبئة خمسة وعشرين لتراً في الشهر، من دون الحديث عن الإصلاحات والزيوت وغير ذلك من التوابع الضرورية.
أردت أن أعتذر من جاري وأذهب في حال سبيلي، إلا أنه تابع القراءة في دفتره الذي يشبه «دفتر الوطن» فقال: عندك أزمة الكهرباء، فهل يعقل أن كل الحكومات المتتالية لم تستطع أن تحلها، مع أن حلها يبدو في غاية البساطة، فالمبالغ الطائلة التي يدفعها المواطنون ثمناً لمكونات الطاقة الشمسية من ألواح وبطاريات وليدات وحتى مولدات كان يمكن توفيرها أو توظيفها في إنتاج الطاقة البديلة عن طريق الحكومة، وبلدنا يتمتع بشمس مشرقة في أغلب أيام السنة.
عندنا أزمات غذاء ودواء وكساء وحتى أزمة غناء!، وبما أننا بلد زراعي-كما أسلفت- نستطيع استغلال كل شبر من الأراضي الصالحة للزراعة وتحويل سورية إلى جنة خضراء عندها سنغني جميعاً مع وديع الصافي: خضرا يا بلادي خضرا.
لست خبيراً في الزراعة والصناعة والطب والعلوم المتعددة، لكن يوجد في بلدنا من يتفوق ويبدع في شتى المجالات، لكن هذه الطاقات الخلاقة مهملة ومستبعدة بقصد أو من دون قصد عن دائرة الضوء والعمل، في حين يتصدر المشهد بعض الفاشلين والكسالى ومحدودي التفكير!.
معظم أعضاء الحكومة هم من الخبراء في المجالات التي كلفوا بها، وعليهم أن يثبتوا للمواطن أن اختيارهم لم يأت من فراغ، وأنهم بالتالي قادرون على تحريك عجلة الإنتاج في المجالات كافة.
أرجو أن يحصل ذلك قريباً جداً، وإلا فستكون كل الكتابات والأحاديث اليومية مجرد كلام في الهواء لا فائدة ترجى منه، ونتمنى ألا يكون كلامنا فارغاً بلا طعم ولا لون ولا رائحة، وأن تصل هذه الكلمات إلى حيث يجب أن تصل.