الخطة الأميركية لمحو سجل جرائم إسرائيل
| تحسين حلبي
اعتادت الولايات المتحدة اتباع كل طريقة تراها مناسبة لفرض مصالحها على كل دول العالم، ومنها تحديد معايير وقوانين تضعها وحدها في الكونغرس الأميركي، وتطالب العالم بالالتزام بها تحت طائلة فرض العقوبات على من يخالف هذه التعليمات التي تحولها إلى ما يشبه القانون الدولي، ومن هذه التعليمات أو القوانين قانون ما يسمى بـ«معاداة السامية» الذي قامت بتعريفه بعبارات تمنع توجيه أي انتقاد للاحتلال الإسرائيلي أو التنديد به وبجرائمه. وتبنى حلفاؤها في أوروبا هذا التعريف واتهموا كل من شارك في تظاهرات التنديد بجرائم إسرائيل في قطاع غزة ولبنان التي انتشرت في أوروبا وأميركا بمعاداة السامية وبالإرهاب، وطلبوا من الشرطة قمعهم ومحاكمة من يقبضون عليه منهم، لكن هذا «القانون» الاستعماري الذي ابتكرته الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية عام 1945 لم تلتزم به شعوب الحكومات التي تبنته مع الولايات المتحدة رغم إقامة إدارات أميركية وأوروبية حكومية لمراقبة تطبيقه ومعاقبة من ينتهكه، ولم يستطع هذا «القانون» حماية إسرائيل ومنع تعريتها أمام كل شعوب العالم ككيان استيطاني إرهابي قاتل للأطفال والنساء، حتى بنظر أوساط كثيرة في داخل الجاليات اليهودية في العالم وبين مفكرين من اليهود الأميركيين، فالبروفيسور الشهير نعوم تشومسكي قال في 8 آب الماضي لمجلة «ديموكراسي-ناو» الأميركية في مقابلة نشرتها آمي غودمان: إن «إسرائيل أسوأ كثيراً من نظام الفصل العنصري- الأبارتايد، فعلى الأقل إن كنت تقصد بكلمة «فصل عنصري» ما قام به البيض المستعمرون لجنوب إفريقيا لكن ما يحدث في الأراضي المحتلة أسوأ كثيراً، وهناك فرق جوهري، فقد احتاج العنصريون البيض في جنوب إفريقيا إلى السكان السود وبقائهم لكي يستغلونهم كقوة عاملة، أما المعاملة الإسرائيلية للفلسطينيين في الأراضي المحتلة فهي مختلفة تمام الاختلاف، فهم لا يريدون بقاءهم بل يريدون تهجيرهم من كل البلاد، أو على الأقل إرسالهم إلى السجن»، وهذا أدق تعريف للاستيطان الصهيوني في فلسطين.
مع ظهور منظمات أميركية مستقلة غير حكومية تدافع عن حق الفلسطينيين بتقرير المصير والبقاء في وطنهم، بدأت الولايات المتحدة تعد قوانين تشريعية لمنع وجود هذه المنظمات المستقلة غير الحكومية، فقد كشفت مجلة «تروث آوت» الأميركية في 7 تشرين الأول الجاري أن السلطات الأميركية مطالبة بمنع وجود منظمات من هذا القبيل تجمع التبرعات لمصلحة أعمالها، بل يتعين معاملتها كمنظمة إرهابية ومصادرة أموالها، وتكشف المجلة أن وسائل الإعلام الأميركية المختلفة بدأت بإقالة عدد من الموظفين والصحفيين لأنهم يتعاطفون مع الضحايا الفلسطينيين ويمتنعون عن وصف المقاومين الفلسطينيين بالإرهابيين، ومع هذه الحملات الأميركية لن يكون من المستغرب أن تفرض واشنطن على أوروبا ثم على بقية دول العالم استخدام مصطلحاتها وتعريفاتها عن الإرهاب بهدف منع التعاطف مع الشعب الفلسطيني ودعم حقوقه، بل لن تتوانى عن محاولة منع الاستشهاد بكل ما قامت به إسرائيل من مذابح سجلتها الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأممية وللضحايا والدمار الذي خلفته في الأراضي المحتلة منذ أكثر من خمسين سنة.
ولا يستغرب البعض أن تشن الولايات المتحدة والحركة الصهيونية العالمية والكيان الإسرائيلي حروباً شرسة على كل ثقافة عربية أو عالمية تتناول الجرائم الفظيعة وغير المسبوقة في تاريخ الاستعمار الاستيطاني، التي ارتكبتها إسرائيل لمحوها من السجل التاريخي وفرض السرديات المزيفة والأكاذيب الإسرائيلية في الثقافة الغربية على غرار ما فرضته مع الولايات المتحدة من تزييف ومبالغات حول ما تعرض له يهود أوروبا على أيدي النازية الألمانية، فقد قامت الصهيونية العالمية بدعم مالي وسياسي أميركي بإقامة مؤسسات كثيرة تحت شعار منع «معاداة السامية» أي معاداة إسرائيل والصهيونية ومذابحهما ضد الشعب الفلسطيني، كما فرضت على دول أوروبا إقامة منظمات أوروبية للدفاع عن إسرائيل وتبرير كل ما ترتكبه من جرائم في الأراضي المحتلة، ونشر السرديات الإسرائيلية عما جرى في السابع من تشرين الأول 2023 بعد أن أعدت آلة الإعلام الإسرائيلية صيغة تبرئ إسرائيل فيها من كل تلك الجرائم، وتتهم المقاومة بارتكاب «مذبحة» لجنود الاحتلال وللمستوطنين في مستوطنات غلاف قطاع غزة في عملية «طوفان الأقصى»، ولا يستغرب أحد أن تقوم الحركة الصهيونية بإغراق الإعلام الأوروبي والعالمي بكل تلك الأكاذيب التي يراد منها تحويل الضحية الفلسطينية إلى جلّاد والجلاّد الإسرائيلي إلى ضحية.