ثقافة وفن

«حبق» معرض فردي لبديع جحجاح عن الحب والحق … وزيرة الثقافة لـ«الوطن»: جسّد فكرة السمو والارتقاء بالدراويش ورموز العرفان والامتنان والمناجاة

| مصعب أيوب

بعد أن دمج بين الكلمة والفن بالنحت وباللوحة منطلقاً من نبتة الحبق العطرية، جامعاً في ثنايا التسمية أسمى صور الحب والحق، وضمن أيام الفن التشكيلي، وفي رحاب صالة ألف نون، افتتحت وزيرة الثقافة د. ديالا بركات المعرض الفني الخاص للفنان بديع جحجاح في تمام الخامسة من مساء الثلاثاء.

حالة معرفية

الدرويش عند جحجاح هو البطل الذي يطوف ويدور حول نفسه، ويتحول في لحظات إلى شجرة وقصيدة صوفيَّة وعبارة وعبرة ورمز مستوحى منها، يختزن ضمنه معاني العرفان لله، والجمال، والسلام؛ ومعظم ما سعت الحرب إلى نسفه.

والدرويش هو جزء من التقاليد الصوفية التي وجدت لتحضر العلاقة مع اللـه ضمن العلاقة العامودية المبنية على المحبة والعرفان والشكر، وقد راح يتعامل معه منذ 2012 منطلقاً من تعامله معه كحالة معرفية في صلاة مفتوحة ومناجاة تنقذ الروح وتشفيها من الآلام.

وأينما يتنقل الزائر بناظريه يلفته شيء ما نحو الابتهال والزهد والتوسل، وقد وزخرت الأعمال بالأختام التي يعدها جحجاح ضرورية لتروي القصص والحكايا عن روح الشرق الدافئة.

تجربة فريدة خاض غمارها الفنان بديع جحجاح أثمرت عشرات المعارض الفنية داخل سورية وخارجها.

سمو وارتقاء

في تصريح خاص لـ«الوطن» لفتت وزيرة الثقافة د. ديالا بركات إلى أن الفكر والمعرفة يترجمها كل منا حسب رؤيته، فالكاتب أو الشاعر يعتمد الكلمة، والموسيقي يلجأ للتعبير عما يريد بالألحان، والرسام أو الفنان التشكيلي يعتمد الريشة واللون أو المنحوتات، وحتى التشكيلي يختلف تبنيه وتعامله مع المعرفة حسب مدارس معينة والطرق التي اكتسبها في تجسيد رؤيته، وأيضاً حسب المادة المستخدمة التي يجدها تتلاءم وفكره وما يريد إيصاله للمتلقي، فيستخدم الفحم في اللوحات وربما الألوان الزيتية وربما الإكرليك وغيرها، وفي النحت أيضاً قد يعتمد المعادن أو الخشب، وبالتالي تختلف طريقة التعبير بين فنان وآخر.

وقالت أيضاً: حاول الفنان جحجاح في معرضه اليوم تجسيد فكرة السمو والارتقاء، فاعتمد مبدأ الدوران، والدرويش الذي يستمر في الابتهال والمناجاة ليعطي نوعاً من الامتنان والعرفان في جرعة مكثفة من الإحساس المرهف.

بصمة خاصة

كما أوضحت بركات أنه مما لا شك فيه أن الثقافة في أي مجتمع يعبر عنها بالحضور الفني والثقافي ومختلف الألوان الفنية والثقافية، من مسرح وسينما ورسم ونحت ورقص وموسيقا وغيرها، فهي جزء لا يتجزأ من حياة الشعوب، لأنها قاعدة أساسية لرفعة وعلو المجتمعات، والسمو الأخلاقي والفكري والتقدم بالذائقة الفنية المجتمعية، ولذلك فإن معظم المجتمعات تتنافس في أعداد عروضها ومناسباتها الفنية والثقافية وما إلى ذلك، وقد كانت سورية في حقيقة الأمر نشطة ومتقدمة في هذا الجانب وتقدم عروضاً منافسة وجميلة جداً، واليوم نتعافى شيئاً فشيئاً لنثبت للجميع أننا أبناء بيئة ذات ثقافة عالية وذواقة للفن بطريقة متميزة واحترافية، ولا ينكفئ المبدعون فيها عن مواصلة إبداعهم والاستمرار في تقديم ورفد الساحة الفنية والتشكيلية بكل ما هو مريح وممتع للعين ومبهج للقلب ومريح للنفس.

ونوهت في معرض حديثها بأن دور الوزارة في دعم الأشكال والفعاليات الثقافية هو دور أساسي ومؤسساتي مهم من ناحية الرعاية وتقديم التسهيلات اللازمة.

وأشارت إلى أن المعرض الذي يندرج ضمن فعاليات أيام الفن التشكيلي احتضن لوحات ومنحوتات أبدعها الفنان جحجاح ببراعة ومهارة عاليتين، وفلسفة وجودية وصوفية عميقة، بعد أن أضاف بصمته الشخصية عليها ومنحها من روحه ونفسه وإبداعه.

حب وحق

في تصريح لـ«الوطن» يقول جحجاح: حاولت مؤخراً تجميع نفسي وما لها وما عليها منذ عام 1994 وحتى يومنا هذا، ووضعت في حقيقة الأمر بعض المحطات التي مرت على بلادنا، وأضأت على ربيع مبشر ينبت ثماراً متميزة، وبعض الأحلام التي نسعى لإزاحة الغبار عنها، وقد نرى بعض الأشجار التي تحولت إلى دراويش، والربيع الذي يتحول إلى ثمرة، وعندما نقول درويش حبق فإننا نقصد الدرويش على باب القدرة وطريقنا إلى اللـه من أجل معرفته، في كلمة واحدة هي «حبق» فيمثل أول حرفين منها الحب ويمثل الأول والأخير الحق، وعكس ذلك «قبح»، وهي نظرية فهم للحياة ولهذا الواقع، فبطل هذا المعرض هو الدرويش والشجرة والكتب التي أحببت أن أقدمها اليوم بعد قرار إغلاق مكتبات الطرقات.

وشدد جحجاح على أن الدراويش المصنوعة من مادة البرونز التي قدمها يتخذ كل واحد فيها حركة معينة أو وقفة متميزة للدلالة على قيمة معينة أو فكرة مختلفة، وقد اختزل جزءاً منها وجسدها في ثلاث حالات وهي: درويش المعرفة والثقافة، ودرويش الخير والحب، ودرويش السلام، ليخلق تمازجاً للوعي ضمن مثلث معرفي في مفهوم درويش «حبق» ما بين السلام والمعرفة والخير.

كما يمكننا أن نرى في أعماله مقتطفات في الحب والقيمة التي تعلو بنا وتسمو إلى ما لا نهاية، فحاول تجميع بعض المحطات في الزمن الصاخب، معتبراً من نفسه درويش العارف العاقل الذي ينتمي لمنطقة تحوي تمازجاً ثقافياً كبيراً، فجعل لمعرضه رسالة مفادها التركيز على أنسنة السوري بعيداً عن الأديان والطوائف والمذاهب.

شعب ذواق

أما نائب محافظ دمشق المهندس علي المبيض فقد شدد على أن المعرض ينضوي في خطوة على طريق مهم جداً، ولاسيما أنه في أيام الفن التشكيلي، بما يثبت الحالة الصحية لواقع المجتمع السوري الذي يواكب تطور الفن بكل مراحله وأصنافه، سواء بالشعر أم النثر والقصة والرواية والتشكيل والنحت والمسرح والموسيقا والسينما وخلاف ذلك، مؤكداً أن المعروضات جاءت متميزة وجميلة لفنان مبدع تعكس مراحل عمله، حيث عزم أن يثبت مجدداً أن الشعب السوري موجود وراسخ وقوي وذواق وحضاري، فنحن من خلال هذه المعارض نقول للعالم بأسره إننا موجودون، وكما كانت سورية مصدراً للحضارة لكل دول العالم، اليوم هي جسراً للتواصل بين كل الحضارات.

شراكات وتعاونات

وفي تصريح مدير الفنون في دمشق وسيم عبد الحميد نوه بأن حضورنا اليوم في صالة ألف نون ضمن المعرض الذي يقيمه الفنان جحجاح ليس إلا تأكيداً على مدى قوتنا وصمودنا وثباتنا، بحيث لم تستطع أن تمنعنا جميع المعوقات عن الإبداع والتغني بكل ما هو جميل والتألق بالصورة والشكل والنحت واللون والريشة، فضم المعرض مجموعة أعمال فنية تشكيلية، إضافة إلى أعمال نحتية أنجزها الفنان جحجاح خلال ثلاثة عقود زمنية مروراً بالمراحل والمدارس الفنية التي تنقل خلالها.

وأكد أن مديرية الفنون الجميلة التي تتبع لوزارة الثقافة تقيم شراكات دائمة بيها وبين الصالات الخاصة، ولاسيما أن صالة ألف نون من الصالات المهمة جداً والمتميزة، لأنها رفدت الحركة التشكيلية السورية بالعديد من الأعمال المتميزة، وتدعم بشكل دائم الفنانين الشباب والأطفال، وهذا التشابك مهم جداً للفنان والتشكيل على حد سواء.

اندماج معرفي

وعن رأيه يلفت الفنان معتز العمري إلى أن ما يميز أسلوب الفنان جحجاح هو تركيزه على الجانب الفني والفكري والمعرفي والإنساني والروحاني في أعماله، فمن يجد تلك المكونات يمكنه معرفة مبدعها مباشرةً، فنرى الرموز الدينية والروحانية حاضرة بقوة في أعماله، ولا ننسى الدرويش طبعاً والنور والحرف، وحالة الاندماج بين الديانات والأفكار والطوائف، فمن الممتع أن نشاهد هذا الإبداع ومن الضروري أن نتأمله ونستمتع به.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن