مشاركة واشنطن إلى جانب تل أبيب ستكون آخر حروبها الاستعمارية
| تحسين حلبي
بعد أكثر من عام على حرب الإبادة التي يرتكبها الكيان الإسرائيلي في قطاع غزة في عملياته العسكرية الوحشية الممنهجة لقتل المدنيين الفلسطينيين، أصبحت الضرورة تدعو العالم كله لوصف ما يقوم به الكيان هو «حرب عالمية لقتل الأطفال»، وهذا العنوان الذي يعكس واقع الحرب على القطاع نشرته وسائل إعلام غربية في مقال كتبه نيك تيرس مؤلف عدد من الكتب عن وحشية الحروب الاستعمارية الحديثة، وأهمها كتابه الشهير «إنهم يقتلون كل ما يتحرك»، ففي مقاله الذي نشرته مجلة «أنتي وور» الإلكترونية الأميركية في 23 تشرين الأول الجاري يقول تيرس: إن «منظمة أنقذوا الأطفال كشفت أن أسوأ أرض يعيش فيها الأطفال هي قطاع غزة، وأحصت مقتل أكثر من 11300 طفل 30 بالمئة منهم تقل أعمارهم عن خمس سنوات، و710 منهم أقل من سنة واحدة خلال سنة واحدة»، ومع ذلك ستحمل الأيام المقبلة أضعاف هذه الأرقام حين تهدأ عمليات الجيش الإسرائيلي المستمرة حتى الآن.
ولم يحدث في تاريخ العالم أن يعيش في قطاع غزة أطفال ترعرعوا في حصار دام 17 عاماً، تخللته خمس حروب إسرائيلية شنها جيش الاحتلال منذ عام 2018 حتى عام 2023 على فترة زمنية متقطعة ثم شهدوا حرب إبادة شاملة منذ تشرين الأول عام 2023، وحتى الصحف ووسائل الإعلام الأميركية لم تستطع تجاهل هذه الحقيقة بعد أن امتلأت صفحات وقنوات مواقع الإعلام الإلكترونية بعرض المذابح التي ترتكبها إسرائيل بالشعب الفلسطيني واللبناني في الآونة الأخيرة على مدار الساعة، وها هي صحيفة «ذا نيشين» تنشر في 23 تشرين الأول الجاري في أحد عناوينها أن «إسرائيل تقتل عائلات كاملة في غزة بأسلحة وذخائر أميركية»، وتعرض طرق وأشكال عمليات القتل والإبادة التي تطال الأطفال والنساء، وتنشر صحيفة «النيويورك تايمز» واسعة الانتشار في 11 تشرين الأول الجاري تقريراً عن انتقال هذه المذابح إلى استهداف المدنيين اللبنانيين في قلب بيروت بالأسلحة والذخائر الأميركية نفسها، وتشير صحيفة «ذا نيشين» إلى أن مصانع الذخيرة الأميركية استنفرت منذ الحرب على القطاع كل جهودها لزيادة إنتاج الذخائر التي يقال إن الجيش الإسرائيلي يستخدمها بكثرة إلى حد يستخدم فيه عشرين قذيفة وليس عدداً قليلاً من القذائف لتصفية أسرة فلسطينية، ويعتقد المنتجون الأميركيون للذخائر بأن الذخائر التي وصلت إلى إسرائيل تكفي ثلاثة جيوش أو أكثر، لكن الجيش الإسرائيلي يستخدمها بكثافة من دون الخوف من تناقصها لأن مصانع الولايات المتحدة جاهزة لإنتاج مئات الملايين منها، ولا شك أن إرسال هذه الذخائر من دون توقف ومن دون حساب تثبت أن الولايات المتحدة تشارك بأسلحتها وذخائرها في حرب الإبادة، وهي تدرك ذلك وتتابع نتائجها في قتل الأطفال ولا تهدد إسرائيل بإيقاف إرسالها لها أو بمنعها عن استخدامها لإبادة شعب، ويذكر أن إسرائيل تبنت وطبقت سياسة ثابتة منذ عام 1948 تقوم على معاملة أي طرف أو دولة تدعم المقاومة الفلسطينية بالسلاح والمال والذخائر كمشارك في الحرب ضدها، ويستدعي بموجب ذلك أن تشن عليه حرباً أو عمليات عسكرية تردعه عن الاستمرار، فقد شنت مثل هذه المعارك على حدود سورية وحدود لبنان بسبب دعمهما للمقاومة، وشنت عام 1956 حرباً إلى جانب فرنسا وبريطانيا على قطاع غزة ومصر معا لأن مصر كانت تقدم السلاح والذخيرة لسكان قطاع غزة لحماية القطاع من العدوان الإسرائيلي، وإسرائيل تعد إيران عدواً وتشن عمليات إرهابية ضد إيران بأشكال مختلفة لأن إيران تقدم الدعم السياسي والمالي والعسكري للمقاومة اللبنانية والفلسطينية، وبالمقارنة مع ما تقدمه الولايات المتحدة من ذخائر وأسلحة لإسرائيل في حربها لإبادة الشعب الفلسطيني، تعد الولايات المتحدة شريكاً مباشراً لإسرائيل في هذه الحرب، وكأن جنودها على أرض المعركة هم الذين يزودون القوات الإسرائيلية بالذخائر التي تقتل الفلسطينيين، والولايات المتحدة تفعل ذلك علنا حين ترسل وتنقل الذخائر والصواريخ التي تدمر بيوت الفلسطينيين في القطاع ومن دون أن يندد بمشاركتها في هذه المذابح سوى عدد قليل من دول العالم، بل من دون أن تطالبها الأمم المتحدة بالتوقف عن تقديم الذخائر والسلاح لإسرائيل، وبالمقابل تفرض إسرائيل والولايات المتحدة على العالم أن يعد كل من يندد بهذه الجرائم معادياً للسامية ولإسرائيل ويجب بنظرهما معاقبته ومحاصرته، وكأن كل العالم يوافق ويصمت على هذه الحرب العالمية لقتل أطفال فلسطين وإبادة شعبها في قطاع غزة، وأصبح كل أميركي أو أوروبي بل أي يهودي في العالم يندد بهذه الحرب إرهابياً يدعم الفلسطينيين وقابلاً للمحاكمة في محاكم الدول الاستعمارية، ولا شك أن هذه الحرب التي تدافع الولايات المتحدة عنها وتشارك فيها أصبحت حرباً على كل شعوب العالم، ولن تدوم طويلاً أمام يقظة هذه الشعوب وقواها العادلة وستكون آخر حروب أميركا الإمبريالية.