ثقافة وفن

فيلم أيام الرصاص بعرض خاص في دار الأوبرا السورية … زيدان لـ«الوطن» الفيلم ينضوي تحت سينما الجريمة والتشويق بحوامل جمالية ومعرفية

| مصعب أيوب – تصوير: طارق السعدوني

انطلق مساء يوم الخميس ضمن حضور رسمي وفني وجماهيري كبير العرض الخاص للفيلم الروائي الطويل «أيام الرصاص» للمخرج أيمن زيدان الذي تعاون في تأليفه مع أحمد عدرة وأنتجته المؤسسة العامة للسينما في عام 2021، وقد شهد مسرح الدراما في دار الأسد للثقافة والفنون على انطلاقة الفيلم الذي لاقى استحسان وإعجاب جميع الحضور.

رجل متسلط

يستعرض العمل قصة عائلتين تعيشان في الريف البعيد وهما عائلة أبو جمال المحقق المتقاعد، وهو أب لأربع بنات يعيلهن وزوجة ابنه الشهيد وطفلها، أما العائلة الثانية فهي عائلة أحمد السعيد صاحب المال والتجارة الذي وضع ابنه الشاب الطائش في موضع ثقة وأوكل إليه مهمة إدارة أعماله وتجارته وعقاراته، إلا أن الشاب غارق في السهر وشرب الكحوليات وتعاطي المخدرات ما يقوده إلى قتل أبيه الذي يجده في بيته الريفي البعيد برفقة فتاة شابة هاربة من زفافها الذي أجبرت عليه وهي بالمقابل ابنة أبو جمال.

يمارس أبو جمال دور الأب المتسلط الذي يعطي التعاليم الصارمة ويحبس أنفاس أفراد عائلته في كل دخول وخروج، كما يحاول الجد تجريع حفيده القسوة والجبروت بعد أن اكتسب ذلك من بيئة عمله السابقة، فهو رجل قاسي الملامح يرسم لنفسه خطاً معيناً في مخيلته وعالمه الخاص ويتماهى مع ماضيه المهني ولا يستطيع الخلاص منه، وبعد إحالته للتقاعد عقب ترؤسه إدارة إحدى الإدارات الأمنية في إحدى الضواحي، يصطدم بواقعه وما آلت إليه حالته بعد أن اكتشف أنه خسر قيمته المعنوية التي اكتسبها من خلال عمله السابق، فيجد نفسه مسكوناً في ذلك الوقت لا يستطيع الخروج منه، فيخوض مع عائلته تحديات كثيرة وأهمها هروب ابنته الأقرب إليه في ليلة زفافها ليجدها مقتولة في بيت أحد سكان البلدة مع صاحب البيت الذي لجأت إليه هاربةً من قدرها الذي ساقها إليه والدها عنوة، ومن أجل استعادة مكانته التي فقدها يقرر تسليم نفسه للجهات المختصة والاعتراف بقتلهما بحجة الشرف مدعياً أنه قتلهما لغسل عاره.

فيلم جريمة وتشويق

وظّف المونتاج في الشريط الفيلمي بطريقة مدهشة ومدروسة لاعباً دوراً جوهرياً في حكاية العمل، فمشاهد كثيرة قدمت بطريقة ممتعة وملفتة، مثل الدمج الذي وجدناه في مشهد حفل المركز الثقافي الذي تزامن مع مشهد قتل شحود لوليد مدير العمال في المركز عقب اكتشاف الأول تخلي وليد عن حبيبته «ابنة أبو جمال أيضاً» وخداعه لها بوعود للارتباط والزواج.

وقد كانت الكاميرا واللقطات عنصرين أساسيين في بنية العمل وتفوقا على السيناريو، ما جعلهما يتفوقان على اللغة المكتوبة، في وقت تبتعد فيه الأحداث عن التلاعب في أعصاب المتابع.

ولأن الفيلم ينضوي بشكل أو بآخر تحت سينما الجريمة فلا بد من الحذر حول المحتوى والقيمة المعرفية والجمالية بما يخدم حالة التشويق وفضول المعرفة لدى المشاهد.

مبدعون وخلاقون

الفنان والمخرج أيمن زيدان في كلمة لـ«الوطن» أكد أن ما يأمله اليوم هو أن يتكلم العمل بلسان حاله، لأنه من الصعب اختزال المشروع الفني بكلمات قليلة موضحاً أن الفيلم يتناول نموذجاً لرجل أمن تقاعد من عمله ليفجع بواقع عائلته بعد اكتشافه لأشياء كان يجهلها.

وقد بين زيدان في تصريحه أن الفيلم لا يتطرق بصورة مباشرة للحرب السورية وتداعياتها وإنما يمكن أن نلمح بعض الإشارات لظلال هذه الحرب في ثنايا الأحداث.

وأشار إلى أن الفيلم ينضوي تحت سينما الجريمة والتشويق بحوامل معرفية وجمالية يأمل أن تحقق الغاية المطلوبة منها.

وشكر زيدان المؤسسة العامة للسينما التي ما زالت رغم الظروف أبرز الصروح المسكونة بالهم الثقافي والمعرفي.

وركز على أن فيلمه الثالث هذا لم يستطع إنجازه بمفرده وإنما هو حصيلة شراكة مثمرة مع مجموعة من المبدعين والخلاقين الذين كانوا مسكونين بالحب والشغف بالبحث عن مشروع يشكل إلى حد ما قيمة مهمة في زمن صعب كهذا.

مجهود كبير

وفي تصريح خاص لـ«الوطن» قدم المخرج باسل الخطيب مباركة كبيرة للفنان أيمن زيدان على المجهود الكبير والواضح الذي بذله في إنجاز هذا المشروع المهم، مشيراً إلى أن الفيلم تم الاعتناء جيداً ببناء السيناريو الخاص به بتداخل زمني ربما يخلق بعض الإرباك لدى المتلقي، ولكن التنقل الزمني بين الأحداث في العمل كان واضحاً ومفهوماً.

ولفت أيضاً إلى وجود كمية كبيرة من الاهتمام بحالة الصورة وأداء الممثلين مبيناً أن العمل سيكون إضافة جديدة ومهمة للسينما السورية.

قيمة استثنائية

وفي كلمته الترحيبية قال مهند إبراهيم مدير المؤسسة العامة للسينما: يسرنا افتتاح العرض الخاص للفيلم الروائي الطويل «أيام الرصاص» للمخرج أيمن زيدان، ذلك الفنان الذي قدمت إسهاماته الأخيرة طعماً خاصاً وقيمة استثنائية.

ونحن في المؤسسة نفخر بانتمائه إلى العائلة السينمائية السورية، هذه العائلة الصغيرة بحجمها والكبيرة بتاريخها وعراقة نتاجها. ولطالما انصب اهتمامنا على حمايتها وتأمين كل أشكال الدعم لها لاستمرار عطائها وتألقها ونجاحها.

لافتاً إلى أن ظروفاً شتى مرت بها المؤسسة العامة للسينما عبر تاريخها، كانت صعبة وقاسية في كثير من الأحيان. إلا أن المؤسسة كانت ثابتة في عطائها وصلبة في تحملها، فحولت الضعف إلى قوة، والصعوبات إلى فرص. وفي هذا الإطار تؤكد المؤسسة أنها ماضية بعزم وثبات في طريق تطوير نتاجها من الأفلام الروائية الطويلة والقصيرة، ومختلف المشاريع والفعاليات التي تقوم بها. الأمر الذي سندأب عليه دوماً كي تبقى السينما السورية منارة فكر تعبر عن تاريخ وعراقة هذه الأمة العظيمة، ولكي تبقى على الدوام خير سفير لنا أينما حلت.

ردود أفعال مباشرة

أما الفنان علاء قاسم الذي حضر في الفيلم كضيف شرف فشدد على أن الوقت الأفضل والأمثل لتلقي النجاح الفيلمي بالعمل السينمائي هي لحظة العرض التي يحضرها جمهور غفير والممثل جزء من الجمهور والمشروع على حد سواء، فيمكنك تلقي ردود أفعال المشاهدين للفيلم بشكل مباشر وصورة أعمق، مفيداً بأن العرض كان ممتعاً ورائعاً ولاسيما بوجود أبطاله ومخرجه المتألق دوماً الذي لا يسعنا إلا أن نقدم له الشكر والامتنان، وكذلك لجميع المشاركين في العمل من فنانين وفنيين.

حب واتقان

وحول مشاركته في الفيلم أكد الفنان سعد مينه أنه استمتع كثيراً في الفيلم كمشاهد وكمشارك، لافتاً إلى أن الفيلم صنع بحب وإتقان، حب للسينما والفن، وحب بإمتاع المشاهد، فكانت مهمة صعبة جداً وحملنا مسؤولية كبيرة ولاسيما أنه الظهور السينمائي الأول له، وعليه كان شديد الحرص على إظهار ذلك الحب في تنفيذ العمل، مركزاً على أن هذه الأرض تعنينا جميعاً ومهما عانينا وقاسينا إلا أننا مرتبطون بها ومتجذرون فيها وعلينا أن ندافع عنها ونحميها.

مشاركة مهمة

وتوجه الممثل الشاب مؤنس مروة بالشكر الكبير للفنان أيمن زيدان الذي أفسح له المجال بالوقوف أمام الكاميرا للمرة الأولى من خلال أيام الرصاص بعد تخرجه من المعهد العالي للفنون المسرحية بحوالي شهرين، موضحاً أن مشاركته على الرغم من كونها مقتضبة إلا أنه يعدها مهمة جداً، لأنها كانت تحت إشراف اسم مهم وكبير مثل الفنان أيمن زيدان، وأكد أيضاً أن التجربة كانت ممتعة جداً وأعطته قوة وثقة ودافعاً للمضي قدماً نحو تقديم الأفضل والاحتراف منذ البداية.

داعم ومتعاون

الممثلة الشابة دلع نادر التي لعبت دور سلوى ابنة أبو جمال صرحت بأن مشاركتها هذه كانت الأولى لها أمام الكاميرا مع الفنان والمبدع أيمن زيدان الذي لم تجد منه إلا العطاء والمساندة وكامل الدعم، وأكدت نادر أن هذا العمل يعنيها كثيراً وله مكانة خاصة عندها، وأنه من دواعي سرورها أن يعرض الفيلم رسمياً وجماهيرياً في سورية بعد مرور عدة سنوات على تنفيذه، لنجني ثمار ذلك التعاون ونعاين نتاج الحب الذي أنجز بوساطته.

وقالت نادر: اعتبر مشاركتي هذه من أهم وأبرز مشاركاتي لأنه كما قلت الظهور الأول لي ولاسيما مع اسم مهم وكبير وعظيم في عالم الفن والثقافة الذي تعلمنا منه الكثير وترعرعنا على إبداعاته وأعماله التي يعرفها الصغير والكبير، ولاسيما أنه بادلنا مشاعر الأبوة الحقيقية حتى في عمليات التصوير

علامة فارقة

يذكر أن أيام الرصاص الفيلم السينمائي السوري الأول الذي يعرض في المملكة العربية السعودية ضمن الفيلم التجاري وحصد الفيلم العديد من الجوائز منها: جائزة أفضل ممثل بمهرجان «سينمانا الدولي» في دورته الخامسة في سلطنة عمان، وهو ثالث أفلام زيدان الروائية، بعد فيلم «أمينة» الذي حقق جائزة أفضل إخراج في مهرجان مكناس السينمائي للفيلم العربي، والفيلم الثاني كان «غيوم داكنة» الذي نال جائزة للإنجاز الفني في مهرجان الإسكندرية.

الهاجس الإبداعي

شعلة الهاجس الإبداعي متوقدة لم تنطفئ داخل الفنان أيمن زيدان، فهو صاحب مشروع مرتبط بالأرض والوطن والوجدان والإنسان، يدافع عن أحلامه الخفية التي لا تشيخ أبداً، عاهد نفسه أن يظل زارعاً حتى في أزمنة القحط الموجعة ولو لم يدرك زمن الحصاد.

وجاء اليوم لحصد نجاح ثالث إنتاجاته السينمائية، فكان فنه صوغاً لإيقاعه المتميز وتبياناً لمخزونه الثمين، فترجم الكثير من الأحلام والآمال في العديد من الأعمال التي جعلت منه علامة فارقة في التمثيل والكتابة والإخراج.

يشارك في الفيلم إلى جانب زيدان كلّ من سعد مينه وحازم زيدان وغابرييل مالكي وسالي أحمد ولمى بدور وحسام سلامة ودلع نادر وغريس أحمر ويامن سليمان ومؤنس مروة وتاتيانا أبوعسلي وقصي قدسية وهاشم غزال وسليمان شريبة وكمال قرحالي ونبيل مريش وخوشناف ظاظا وطارق بيطار والطفل إلكساندر سلوم، في حين يشارك كضيوف شرف كلّ من عبد الفتاح المزين وعلاء قاسم وجود سعيد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن