ممدوح السكاف (مواقف حياتية وأدبية) محاضرة لكتّاب حمص: يمتلك «السكاف» القدرة على التكثيف والإثارة والإدهاش بعيداً عن الترهل والتطويل
| عبد الحكيم مرزوق
ممدوح السكاف (مواقف حياتية وأدبية) عنوان المحاضرة التي قدمها د. غسان لافي طعمة في مقر المكتب الفرعي لاتحاد الكتّاب العرب تحدث فيها عن الشاعر الإنسان الذي نشأ وترعرع في أحضان مدينة حمص التي تغفو على نهر العاصي مدينة خالد بن الوليد وديك الجن الحمصي ومراد السباعي وفرحان بلبل وغيرها من الشخصيات المؤثرة والتي تركت بصماتها الواضحة عبر التاريخ.
ذاكرة حمص المتوقدة
أولى المحطات التي توقف عندها د. طعمة هي إشارته إلى أن السكاف كان ذاكرة مدينة حمص المتوقدة منذ وقف أمام موقع حمص وهو في الثامنة من عمره يتمتع بإحساس طفولي عارم بإنزال العلم الفرنسي عن الموقع ورفع العلم السوري الوطني ومروراً بنشره مقالات في صحيفة الينبوع لصاحبها عبد الودود تيزيني، وحتى ملازمته الشاعر وصفي قرنفلي في فترة مرضه ومعرفته بأدباء حمص عن قرب مثل: عبد الباسط الصوفي، عبد السلام عيون السود، نذير الحسامي، موريس قبق وغيرهم، ويضيف المحاضر: لا يستطيع أحد إنكار دوره الثقافي أثناء مهامه: نقيباً للمعلمين ومديراً للمركز الثقافي، ورئيساً لفرع حمص لاتحاد الكتّاب العرب فقد أقام نشاطات لشعراء كبار منهم عمر أبو ريشة، ومحمود درويش، كما لا يستطيع أحد أن ينكر دوره في تشجيع المواهب الأدبية والأسماء كثيرة، وكان السكاف طيب اللـه ثراه حافظاً لتراثنا الشعري ولقصائد شعرائنا المعاصرين.
ممدوح السكاف كان طفلاً كبيراً
ورأى د. طعمة أن ممدوح السكاف كان طفلاً كبيراً، نقياً كقطرات ندى الصباح، لطيفاً كنسمات الجنوب، ولذلك أبدع في كتابة قصائد وأناشيد للأطفال في مجموعتيه نشيد الصباح، شواطئ بلادي، كما كان شاعراً في حياته اليومية، في تعامله مع الآخرين، وفي قدرته على جذب الآخر بحب وود، وهذا ما جعله محبوباً، والنبلاء محبوبون دائماً، وربما يعود بعض ذلك لنزوع صوفي في أعماقه، ففي شعره مناخ صوفي فيه من الغموض العذب الشفيف.
مغرق في رومانسيته وحداثته
على المستوى الفني قال د. طعمة: ممدوح السكاف شاعر رومانسي مغرق في رومانسيته، وحداثي موغل في حداثته لذلك أرى في شعره رومانسية الحداثة في مضامينها وأساليبها، فهو شاعر الرسم بالكلمات يحصد الصور الجزئية لخلق مشهد كلي، والمعجم اللفظي الشعري عند السكاف غني، وهذا يمكنه من خلق العبارة المدهشة، أو الجملة الشعرية التي تأتي غالباً عبر الإضافة التي لا يتوقعها القارئ فيدهش عند قراءته بعد أن تحمله على أجنحتها إلى عوالم لم يتخيلها ويغرق في سديمها، وعبر الصفة الموحية التي تسبغ على الموصوف عالماً لم يألفه القارئ، ويمتلك الشاعر السكاف القدرة على التكثيف والإثارة والإدهاش، وهذه ميزة في الشعر الحقيقي التي تبعده عن الترهل والتطويل الذي يقع فيه المتعدون على الشعر، فالشاعر لا يقول كل شيء، فإنما يثير قدرة التخيل والتجسيد لدى القارئ، كما كان بارعاً في إبراز ما سماه النقاد القدامى نوافر الأضداد، واستحسنوه في شعر أبي تمام، وتبرز هذه البراعة الواضحة في توظيف النوافر الضدية من أجل رسم المشهد وإيضاح الفكرة، وما يثير الدهشة والإعجاب في قصائد السكاف ذلك الايقاع الذي يناسب أجواء قصائده في زمن أخذ الكثيرون يهربون من استحقاقات الموسيقا الشعرية التي تبقى شئنا أم أبينا في أنسجة خلايا القصيدة، وختم بالقول:
صائغ شعري دقيق في حرفته
ممدوح السكاف صائغ شعري دقيق في حرفته، لا تخرج الجوهرة من بين يديه إلا في تمام صقلها، فشعره عسل مصفى من خلايا روحه التي عبرت عن مطالبها من خلايا الجسد الإنساني وهذه المطالب تتجسد في الانعتاق والهرب من الموت والخوف والحب والحنين، ولذلك توهجت اللغة الشعرية على يديه إلى درجة كبيرة.