شعار الفلسطينيين «لن ننسى ولن نسامح» يقلق الكيان وأميركيا
| تحسين حلبي
في الحرب العالمية الثانية (1939-1945) انقسم العالم بين كتلة القوى والدول النازية في أوروبا ومن يدعمها وبين كتلة دول الحلفاء بقيادة الدول المناهضة للنازية وإبادتها للشعوب وفي مقدمها الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة وبريطانيا والمقاومة الفرنسية بعد أن سقطت فرنسا بيد ألمانيا النازية عام 1940 وكانت معظم دول العالم ضد حرب الإبادة النازية، وتمكن العالم من محاكمة النازية.
لكننا في هذا القرن الحادي والعشرين بدأنا نشهد شكلاً من الحرب العالمية التي تقودها الولايات المتحدة وحلفاؤها في أوروبا وتشارك من خلال هذا الدور بحرب الإبادة التي يشنها الكيان الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية واللبنانية ومن يدعمها من محور المقاومة والشعوب الحرة، فقد حشدت عواصم الغرب مع الكيان كل قدراتها الحربية والإعلامية والسياسية وسخرتها لإسرائيل بهدف تحقيق انتصارها في حرب الإبادة هذه ودون تمكين الأمم المتحدة من إيقاف هذه الحرب وجرائمها التي تجري في كل ساعة ويوم منذ أكثر من 12 شهراً، كما لم تشكل هذه الحرب إلا بداية انقسام عالمي سياسي محصور بين كتلة دول الغرب الاستعمارية وما أكثر عددها وبين القوتين الكبريين الروسية والصينية ومن يقف إلى جانبهما من الدول المناهضة لهذه الحرب ومن دول وقوى محور المقاومة في ساحتها المستعرة في الشرق الأوسط، وليس من المبالغة القول إن ما يجري هو حرب عالمية استعمارية تشن على الشعب الفلسطيني ومقاومته، فالغرب كله يصف في وسائله الإعلامية المقاومين الفلسطينيين واللبنانيين بالإرهاب وهم الذين يقاومون من أجل البقاء في وطنهم بل ضد حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل فوق أراضيهم وتدمر فيها كل بيوتهم وتجبر مئات الآلاف منهم تحت التهديد بالقصف والموت، على الانتقال إلى جنوب القطاع لإفراغ شماله واستيطانه، ولم يشهد تاريخ هذا العالم حرباً من هذا النوع إلا التي تشنها إسرائيل وبقية دول العالم الغربي على الشعب الفلسطيني فجميع دول الغرب ترسل شحنات الأسلحة والذخائر المدمرة لإسرائيل وتشاهد أن الضحايا ليسوا سوى فلسطينيين ولبنانيين من النساء والأطفال، والسؤال الذي يتجاهله قادة حرب الإبادة هذه هو: هل سيكون بمقدورهم محو كل جرائم الحرب التي شاركوا فيها؟ وهل بمقدورهم أن يتجاهلوا ما يعنيه هذا الشعب حين بدأ يعلن لن ننسى ولن نسامح»؟
لقد بدأت بعض وسائل الإعلام الأميركية بالتحذير من هذا الشعار بالاعتراف بأن الرئيس الأميركي جو بايدين سينهي رئاسته قريباً وقد التصقت به إلى الأبد تهمة: الرئيس الذي شارك في جريمة إبادة شعب، وهي الإدانة نفسها التي ستلحق برئيس حكومة ألمانيا وبالرئيس الفرنسي والبريطاني، فكل شعوب العالم لم تعد بحاجة لأدلة تثبت ما قام به زعماء هذه الدول ومعهم إسرائيل في حربهم العالمية على شعب أعزل شاركوا في حصاره لأكثر من 17 عاماً ثم اتهموه بالإرهاب لأنه قرر فك حصاره الخانق والقاتل بمقاومة باسلة قدم خلالها تضحيات كبيرة، ثم اتهموه بارتكاب مذبحة حين حطم سور الحصار في السابع من تشرين الأول عام ٢٠٢٣ لكي يزعم المحتل السجان مجرم الحرب التاريخي أنه الضحية!
في آخر تصريحاته في 25 تشرين الأول الجاري أثناء لقائه الصحفيين في عمان قال وزير الخارجية الأميركي توني بلينكين إنه «جاء إلى الشرق الأوسط من أجل تحقيق إيقاف للنار وإجراء عملية لتبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس ولعدم تعريض المدنيين للموت نتيجة تقاطع النيران بين حماس وإسرائيل»، وما يريد بلينكين قوله من هذا التصريح هو أن قتل الفلسطينيين لم يكن قتلاً متعمداً وممنهجاً على يد جيش الاحتلال لإبادة شعب، بل بسبب «تقاطع النيران» بين الجيش والمقاومين الفلسطينيين، علماً أن العالم كله يرى أن إسرائيل تدمر البيوت على سكانها بقذائف طائراتها وتقوم بتجميع من بقي حياً منهم في ساحات أخرى لإبادتهم.
وبلينكين يريد من هذه التصريحات تبرئة إسرائيل من جريمة إبادة شعب لأنه يريد من العالم أن يصدق أن كل الشهداء من الأطفال والنساء والجرحى قتلوا وأصيبوا بسبب «تقاطع النيران» وليس بشكل متعمد ومنهجي على يد نيران جيش الاحتلال الذي دمر أكثر من 70 بالمئة من بيوت القطاع ومساجده وكنائسه ومستشفياته ومدارسه وجامعاته، على الذين لجؤوا إلى هذه الأبنية للنجاة من القذائف التي كان يطلقها في كل ساعة، وبلينكين وكل قادة الكيان الإسرائيلي لن يستطيعوا محو هذه الحقائق والوقائع الموثقة التي جمعتها مراكز الأبحاث الفلسطينية والأوروبية غير الحكومية بل أيضاً الأميركية التي تثبت الإدانة الصارخة للولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي بارتكاب جرائم إبادة شعب، ولن يتنازل الشعب الفلسطيني واللبناني عن الحق بمحاكمة مجرمي الحرب مهما طال الزمن، وستقف إلى جانبه محكمة الجنايات الدولية ومنظمات الأمم المتحدة وكل شعوب العالم بما فيها شعوب أوروبا وأميركا نفسها.