سعي إسرائيلي وأميركي لتشكيل واقع شرق أوسطي جديد بالقوة
| معتز خليل
تشهد منطقة الشرق الأوسط تصعيداً ملحوظاً وتحولاً خطيراً منذ السابع من تشرين الأول العام الماضي، حيث أطلقت حركة حماس عملية «طوفان الأقصى» ضد إسرائيل، وهو ما يراه العديد من المحللين نقطة تحول رئيسية نحو تشكيل واقع جديد تحاول إسرائيل والولايات المتحدة فرضه في المنطقة.
جاء الرد الإسرائيلي على هذا الهجوم بسلسلة من العمليات العسكرية التي استهدفت قطاع غزة ودمرت بنيته التحتية بشكل واسع، وامتدت الضربات لتشمل مواقع عسكرية في إيران واغتيال عدد من كبار قادة حزب الله في لبنان، ويعكس هذا النهج رغبة التحالف الإسرائيلي- الأميركي في إعادة صياغة التوازنات في المنطقة بما يخدم مصالحه.
عموماً ومنذ سنوات طويلة، يتبنى بعض القادة الإسرائيليين، من بينهم شمعون بيريس، فكرة إنشاء «شرق أوسط جديد» تكون فيه لإسرائيل اليد العليا والدور المحوري، ويقوم هذا المشروع على توطيد النفوذ الإسرائيلي في المنطقة، سواء من خلال الضغوط السياسية أو الاقتصادية أو العمليات العسكرية، بهدف تحييد القوى الإقليمية التي يمكن أن تشكّل تهديداً لهذا المشروع، ومن بينها إيران وحزب الله وحماس، وتطمح إسرائيل بدعمٍ أميركي إلى إحكام قبضتها على المنطقة من خلال تدمير أو إضعاف كل قوة إقليمية قد تنافسها أو تهدد مصالحها، بما في ذلك إقامة تحالفات مع بعض الدول العربية.
في هذا الصدد، لعبت العمليات العسكرية دوراً بارزاً في إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية، ومنذ تصاعد التوترات الأخيرة، بدا أن إسرائيل تعتمد على إستراتيجية «القوة المفرطة» في غزة، حيث تستهدف الهجمات الإسرائيلية ليس فقط مراكز المقاومة، ولكن أيضاً البنية المدنية للقطاع، ما يعرّض حياة آلاف المدنيين للخطر، وتأتي هذه الاستراتيجية بتغطية كاملة من الولايات المتحدة، التي يبدو أنها تدعم مشروعاً لتثبيت واقعٍ جديد تكون فيه القوى المناوئة مثل إيران وحلفائها محاصرة ومكبّلة، وبينما حذّرت الولايات المتحدة من استهداف المنشآت النووية الإيرانية والمنشآت الحيوية لتفادي التصعيد، فإن استهداف مواقع دفاعية وصاروخية رئيسية في إيران يعكس توجّهاً لضرب الإمكانات الإيرانية من دون استدراج المنطقة إلى مواجهة شاملة.
تشير التطورات الأخيرة، بما في ذلك التحالفات الإقليمية التي تديرها إسرائيل بدعم أميركي، إلى مرحلة حساسة تتطلب موقفاً عربياً موحداً لمواجهة هذه التحديات المتصاعدة، وفي هذا السياق، يتعين على الدول العربية العمل بجدية لتعزيز التعاون العسكري والسياسي والدبلوماسي لمنع أي دولة من فرض أجنداتها بقوة السلاح، فالتعاون العربي أكثر ضرورة الآن من أي وقت مضى، لضمان ألا تتحول المنطقة إلى ساحة صراعٍ قد تكون عواقبه وخيمة.
في الختام، يمكن القول إن الاستراتيجية الإسرائيلية- الأميركية تسعى إلى تقويض وتقليل نفوذ مراكز المقاومة في الشرق الأوسط وفرض واقع جديد يتماشى مع مصالحها، لكن أمام هذا التحدي، يبقى التضامن العربي الأداة الأهم لمواجهة هذه المشاريع، إذ يبقى الأمل قائماً في أن ينجح العرب في تعزيز جبهاتهم الداخلية ودعم استقرار دولهم بما يضمن حماية مصالحهم ووجودهم في خريطة الشرق الأوسط الجديد.
كاتب مصري مقيم في لندن