قضايا وآراء

لبنان: لا لـ«1701 بلس»

| عبدالمنعم علي عيسى

قد تكون الجولة الأخيرة للمبعوث الأميركي عاموس هوكشتاين لبيروت يوم الـ21 من شهر تشرين الأول الجاري هي الأهم من بين جولاته التي لم تنقطع منذ نجاحه في التوسط ما بين لبنان والكيان الإسرائيلي، شهر تشرين الأول من العام 2022، في الوصول إلى اتفاق يقضي بترسيم الحدود البحرية بينهما، الأمر الذي أعطى دوره شحنة دفع لا بأس بها انطلاقاً من أن مرؤوسيه قيّموا الفعل على أنه «نجاح» لا يجب أن يغيب عنه الإقرار بالعامل الذاتي، الذي يعني هنا كاريزما الرجل وقدرته على الاستثمار في المعطيات وصولاً إلى ترتيب الأوراق كما يجب لها أن تكون، ولربما كان ذلك دافعاً لتكليفه بمهام عدة وصولاً إلى مهمة «رجل الإطفاء» الذي أوكلت إليه مجدداً منذ اندلاع النار على الجبهة الجنوبية للبنان يوم الـ23 من أيلول المنصرم، لكن لربما أيضاً كان في الأمر، التقديرات وترتيب الأوراق، بعض المبالغة التي يظهرها أداء الرجل في غضون الجولتين الأخيرتين وخصوصاً منهما تلك التي حدثت في الـ21 من تشرين الأول الجاري.

تقول المعلومات إن هوكشتاين كان قد حمل معه إبان زيارته الأخيرة آنفة الذكر مشروعاً معدلاً يحمل اسم «1701 بلس» الذي يعني هنا مزيجاً من القرار 1559 الصادر عن مجلس الأمن في شهر أيلول عام 2004، والقرار 1680 الصادر عن مجلس الأمن في الـ17 من أيار 2006، والقرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن في الـ11 من آب 2006، والتعديل هنا يهدف إلى أمرين اثنين، أولاهما إعطاء الجيش الإسرائيلي حق التدخل البري في أي وقت من الأوقات التي يراها ضرورية، وحقه أيضاً في مراقبة الحدود اللبنانية- السورية والتدخل فيها أيضاً حينما يجد ضرورة لذلك، وفي الجوهر فإن الغرض من الهدفين آنفي الذكر هو إضعاف حزب اللـه والدفع به نحو الداخل في محاولة لإثارة هذا الأخير اللبناني ضد الدور الذي يقوم به، وصولاً إلى العمل على تفكيكه بعد أن تتسع دائرة التأليب من حوله، وبمعنى آخر، توسعة هوامش «معراب1»، المنعقد شهر نيسان الماضي، و«معراب2» المنعقد، شهر تشرين أول الجاري.

في أعقاب خروج رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري من اجتماعه مع المبعوث الأميركي قال: إنه حمّل زائره رسالة واضحة مفادها «تمسك لبنان بالقرار 1701 كما هو، ومن دون أي تغيير» مع التأكيد على وجوب «تطبيق كل الفرقاء المعنيين به لبنوده كاملة من دون نقصان، ولا تعديل أو ملاحق»، ثم ختم بالقول: «أنا لا أعترف بما يسمونه plus».

هذا التمسك اللبناني بالقرار 1701 سابق الذكر، مع رفض أي تعديلات عليه، ذي أهمية قصوى في ظل الاختلال الحاصل على موازين القوى والتي لا تشبه اليوم تلك التي ارتسمت على ضفتي الصراع صيف العام 2006، وكذا في ظل «التحفز» الذي تبديه العديد من القوى الانعزالية اللبنانية والتي تعمل اليوم على استنساخ تجربة صيف العام 1982، وخريفه، على الرغم من أن المعطيات الراهنة لا تشبه تلك التي كانت سائدة إبان تلك المرحلة، والمؤكد أن تمسك بري بذلك القرار دونما تعديل، الأمر الذي جعله «دريئة» لـ«المتحفزين»، أمر صائب لاعتبارات عدة، أبرزها أن إسرائيل لن توقف الحرب ولا هي بوارد القبول بالقرار 1701 حتى ولو جرى تعديله إلا إذا احتوت النسخة المعدلة على «الروحية» التي كان عليها اتفاق الـ17 من أيار 1983، ومنها، أي من تلك الاعتبارات، أن إسرائيل وعلى الرغم من تفوقها الجوي إلا أنها بقيت عاجزة عن التوغل البري، وما تشير إليه خسائرها على مدى نحو شهر يقول إن كلمة الميدان لم تحسم بعد، وإن لدى المقاومة ما تقوله على الرغم من صعوبة الظروف التي تحيط بها من كل حدب وصوب، وثالث الاعتبارات يقول إنه كلما عجزت الذراع الإسرائيلية عن تحقيق أهدافها، التي تتمثل الآن بالوصول إلى حواف نهر الليطاني، كلما ارتفعت نسب التشنج في حناجر «المهللين»، ما يعني أنه من المبكر جداً رسم ملامح المشهد السياسي المقبل، ولربما برز، يوم السبت الفائت، مؤشر كبير عندما ذهبت إسرائيل إلى تطبيق مبدأ «تبادل اللكمات» بالتوازي، فالهجوم، الذي جرى انتظاره طويلاً من قبل الكثيرين، جاء ليحاكي تقريباً الهجوم الإيراني الحاصل في اليوم الأول من هذا الشهر، والراجح هنا أن إيران لن ترد على هذا الهجوم الأخير، ما يعني أن عوامل التصعيد الشامل باتت تسير على سلم انحداري، ولذاك، ستكون تأثيرات كبرى على مسار المواجهة التي يخوضها حزب اللـه على جبهة الجنوب اللبناني.

قد يقول الكثير من اللبنانيين إن موازين القوى تصرخ لتعلن وجوب الإقرار بـ«1701 بلس»، لكن نصف هذا الكلام صحيح، ونصفه الآخر خاطئ، فموازين القوى فعلاً تبدو مختلة، لكن ما يلزم لتحويل ذلك الاختلال إلى مكاسب سياسية أمر غير متوافر، فإسرائيل التي اجتاحت لبنان وصولاً إلى حصار عاصمته، عجزت عن حماية «17 أيار» الذي فرضته الحراب الإسرائيلية، وهي أيضاً عجزت عن حماية «دويلة سعد حداد» في الجنوب، وتخلت عنها بعد نحو عقدين، ثم إن العطب الذي أصاب الذراع الإسرائيلية صيف العام 2006، يبدو وكأنه قابل للتكرار اليوم، وعلى الرغم من كل هذا التفوق التكنولوجي، والأسباب عديدة لكن أبرزها أن هناك حدوداً للسلاح، أي سلاح، من الصعب له أن يتجاوزها، وهو لا يحقق الغايات المطلوبة منه ما لم يمتلك مشروعية لا بد أن تقوم على حقائق التاريخ، وحمولاتها التي تختزنها ذواكر الذات الجمعية، وما أثبتته أحداث الـ7 من تشرين الأول العام الماضي وما تلاها، تقول كلها إن إسرائيل من المستحيل لها أن تمتلك ذينك الأمرين: حقائق التاريخ وحمولاتها، مهما طال أمر انغراسها بين ظهراني منطقة تبدو قادرة، كل يوم، على اجتراح ما يلزم دفاعاً عن هويتها وحضارتها.

كاتب سوري

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن