مرض السعادة!!
| عصام داري
في مجموعة نجيب محفوظ القصصية «خمارة القط الأسود» تقرأ القصة القصيرة «الرجل السعيد» وهي قصة تصلح للوضع العربي الراهن.
القصة تدور حول صحفي- من أمثالنا- استيقظ من النوم ليجد نفسه سعيداً للغاية على غير العادة الأمر الذي انعكس على تصرفاته مع الطعام حيث يتناول طعام الإفطار في الشارع ومن ثم إلى مقر عمله في الجريدة، وهذا سبب له قلقاً، خاصة أن كل من يعرفه استغرب تعامله الغريب معهم، فحل محل العداوات تسامح كبير واحترام وتقدير للجميع.
أقتبس من القصة هذه الجملة التي تعبر عن الرجل السعيد:
«قلبه يأبى أن يفرِّط في قطرة واحدة من أفراحه. العنصرية.. فيتنام.. أنغولا.. فلسطين.. أي مشكلة.. عجزت جميعاً عن اقتحام حصن السعادة الذي يطوِّق قلبه، لدى تذكُّر أيِّ مشكلةٍ يقهقه قلبه. إنه سعيدٌ سعادةً جبَّارة، مستهينة بكل تعاسة، باسمة لأي شقاء، تريد أن تضحك، أن ترقص، أن تغني، وأن توزع ضحكاتها ورقصاتها وأغنياتها على مشكلات العالم».
رافقته هذه الحال طوال النهار الأمر الذي جعل قلقه يتفاقم فقرر أن يراجع صديقه الطبيب الباطني الذي قال له إن صحته مثالية ونصحه بمراجعة طبيب أعصاب ثم طبيب غدد وأخيراً طبيب نفسي.
وهكذا تحولت سعادة الرجل إلى مرض حقيقي استوجب مراجعة العديد من الأطباء، ومع ذلك لم تفارقه السعادة ولو لحظة واحدة، وكان يغالبه الضحك وهو في عيادات الأطباء، بل كان ينفجر ضاحكاً ويقهقه عالياً.
حالنا يشبه «الرجل السعيد» فنحن نعيش حالة سعادة دائمة،لا توقفها مشاكل الحياة، ولا المآسي التي تحيط بنا، لأننا باختصار نطبق عملياً الحكمة القائلة «شر البلية ما يضحك» وهذا يعني أن حياتنا بالأصل مجموعة متصلة من البلاء متعدد الأشكال والألوان، أو «البلاوي» حسب اللهجة العامية!.
يخطر لي سؤال يبدو ساذجاً: لماذا نغلق على أنفسنا بوابات الفرح والسعادة ونغرق في الأحزان ما دامت السعادة متاحة أمامنا، ولا تحتاج إلى قليل من المجهود، واللامبالاة و«التطنيش»؟.
نعرف جميعاً أن الحياة مجموعة ثوان ودقائق وأيام، وهي قليلة مهما طالت، فلماذا لا نعيش هذه الحياة بسعادة من صنعنا وفرح نختاره بعناية؟.
إذا كانت السعادة مرضاً، فنحن على استعداد للإصابة بالعدوى عن طيب خاطر، وتأكدوا أننا لن نذهب إلى الأطباء، بل سنقتنع بمرضنا، بل بجنوننا، لأن هذا العصر هو عصر الجنون بامتياز.
ومع أن السعادة تعتبر مرضاً فإننا نختار عادة أمراض الحزن والتعاسة والقهر، لأن كل العومل والمسببات موجودة لتعلن أننا أبناء القهر، بالإذن من المسلسل الذي يحمل هذا العنوان، وعلينا أن نسير على درب شاعرنا الراحل محمد الماغوط الذي نشر ديواناً يحمل عنوان «الفرح ليس مهنتي» إذ يبدو أنتا محكومون بالحزن ومقتنعون بأن الفرح ليس مهنتنا ولا طبيعتنا، ولا نعرف على الإطلاق مرض السعادة.