هزيمة المستوطنين من داخلهم ومضاعفاتها على الكيان
| تحسين حلبي
ربما كان المقال الذي نشرنه مجلة «زمن يسرائيل» في 27 من شهر تشرين الأول الجاري بقلم الضابط تومير بيليغ الذي خدم سابقاً في مكتب الناطق العسكري للجيش الإسرائيلي والبروفيسور في جامعة تل أبيب قسم التاريخ، يتناسب كثيراً في عرضه للوضع الإسرائيلي مع النتائج التي فرضتها المقاومة على الكيان الإسرائيلي بعد عام على عملية طوفان الأقصى والحرب التي يشنها على قطاع غزة وجنوب لبنان، فتحت عنوان: «حان وقت الإجابة عن سؤال: إلى أين نريد أن نصل؟» كتب ببليغ: «لو قالوا لنا أين سنصل بعد سنة من هذه الحرب، بل منذ البداية (لو قالوا) إننا نخوض حرباً عادية، لكان معظمنا قد اعتقد أنها لن تكون حرباً طويلة لكننا ها نحن ما زلنا نخوض حرباً متعددة الجبهات ولا يعرف أحد متى وكيف ستنتهي»؟
ويضيف بيليغ: «ولا يبدو أن أحداً من القيادة السياسية يسعى إلى إنهاء المعارك بل حتى حين يتعلق هذا الأمر بالحكومة الراهنة التي تتحمل مسؤولية الفشل في السابع من تشرين الأول 2023 والتخلي عن المخطوفين الإسرائيليين، ولذلك يمكن لهذه الحرب أن تبقى للأبد»، ويصف بيليغ يوميات المستوطنين قائلاً: «يستيقظون يومياً على بيانات عن مقتل الجنود خلال عام كامل من دون توقف، وبدا أن الكثيرين أصابهم الملل واليأس من الصراخ لأجل استعادة الأسرى الإسرائيليين الباقين عند الفلسطينيين، ولا ينكر معظم المستوطنين أن الحرب مع الفلسطينيين لن تنتهي بالحل العسكري الإسرائيلي»، وفي هذه العبارات يؤكد المستوطنون هزيمة حكومتهم وجيشهم.
في الحقيقة فرضت المقاومة نتيجة واضحة هي أن هذا المشروع الصهيوني لم يعد يحقق للمستوطنين أي مستقبل اجتماعي أو اقتصادي ومالي لأن الموضوع المتعلق بمبرر ما يسمى «بالهوية الوطنية اليهودية» فوق أراضي فلسطين لا يغري معظم يهود العالم وهم أكثر عدداً من الذين يستوطنون منذ عشرات السنين في فلسطين، فاليهودي العلماني لا يهمه سوى ما يلبيه له العامل الاقتصادي من منافع إضافة لعامل الطمأنينة الأمنية، وحين ينتفي وجود هذين العاملين في الكيان بفضل دور المقاومة المستمرة، يصبح الحل هو الرجوع إلى الوطن الأوروبي أو الأميركي وحقوق المواطنة فيه، ففي الولايات المتحدة وحدها يوجد عدد من اليهود الأميركيين يزيد على سبعة ملايين، يفوق عدد اليهود الذين يستوطنون في الكيان، يضاف إلى هؤلاء ملايين من اليهود الذين يقيمون في الدول الأوروبية وكندا وروسيا، ولذلك كانت عملية طوفان الأقصى وصمود المقاومة والشعب الفلسطيني في مواجهة حرب الإبادة، العامل المحرك بقوة لهجرة عكسية شملت أكثر من مليون يهودي من الكيان بموجب تقديرات إسرائيلية وأوروبية محايدة استندت إلى حركة السفر خلال عام للإسرائيليين الذين يحملون الجنسيات الأوروبية، وعندما يهزم المستوطن من داخله بهذا الشكل، ويقارن بين أعباء المشروع الصهيوني التي تفرضها عليه المقاومة طوال 76 عاماً، وبين عالمه الوطني في أوروبا أو أميركا الذي يضمن له الأمن والاستقرار دون خوف أو قتال، فلا بد أن يفضل مغادرة هذا الكيان بلا رجعة، بل إن الإسرائيليين أصبحوا قادرين على ابتزاز النظام الأوروبي والأميركي بوساطة استخدام قانون «معاداة السامية» الذي فرضوه على العالم والذي جعلهم في أوروبا وأميركا مواطنين يتمتعون بحقوق لا يتمتع بها بقية المواطنين في القارتين، ومع ذلك لا أحد يعتقد أن الولايات المتحدة ودول الغرب الاستعماري ستتخلى بتلك البساطة عن هذه الثكنة العسكرية الاستيطانية التي يشكلها الكيان، لكن كل الطرق التي استخدمتها لتثبيت وجود هذه الثكنة لم تعد تجدي أمام رحيل المستوطنين وتناقص القوة البشرية اليهودية التي تحتاجها الثكنة لخدمة المصالح الغربية، وحين تزداد تكاليفها ونفقاتها المسخرة من واشنطن وحلفائها في أوروبا وتعجز هذه الدول عن ضمان استمرار وظيفة الكيان في المنطقة فعندئذٍ فقط يبدأ العد التنازلي لوجود هذه الثكنة وخاصة حين يرى الغرب والمستوطنون أن مشروعهم لم تعد له تلك الجدوى التي عقدوها عليه وأن حقوق أصحاب الوطن الفلسطينيين في فلسطين لا يمكن التنكر لها في ظل استمرار مقاومتهم وتضحياتهم مدعومين من كل شعوب العالم، وهذا ما بدأ يحذر منه كبار المفكرين الصهيونيين مثل عاموس عوز، وكبار المعارضين للصهيونية مثل المفكر آلان بابيه وزملائه بعد أن غادروا الكيان وأقاموا في أوروبا.