ثقافة وفن

العميل.. يتخذ منحى مختلفاً عن دراما الرومانسية وقصص الحب … ما الجدوى من تقديم عمل درامي عربي وهو خليط من الصيني والأميركي والتركي؟

| مصعب أيوب

ربما أدرك صنَّاع مسلسل الفورمات المأخوذ عن التركي «العميل» أن الجمهور العربي أُشبع حتى التخمة من دراما الرومانسية والحب والخيانة، وراحوا يفتشون عما يمكنه استفزاز الجمهور لتجنب نفوره من هذا النوع من الأعمال، وقرروا اللجوء إلى ما يبتعد عن النمطية والمكرر واتجهوا نحو دراما أكثر إثارة، وقد انطلقت قبل نحو شهر عروض العمل الذي لاقى جماهيرية عالية لدى الفئة المستهدفة، وضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالكثير من المنشورات والتعليقات حول العمل الذي ضم نخبة من نجوم الدراما السورية واللبنانية.

خطة مدبرة

تتمحور الحكاية حول شقيقين تفرقا في سن مبكر لظرف ما واجتمعا في مرحلة الشباب، من دون أن يعرف أحدهما الآخر، فتنطلق الأحداث بمحاولة أحدهما الذي كان ضابطاً في الشرطة أمير «سامر إسماعيل» إطلاق النار على مديره الذي أجبره على تقديم استقالته من سلك الشرطة، وذلك في أثناء حفل تخريج وتكريم الضباط لزملائه الذين كان من المفترض أن يكون واحداً منهم، ليتم تحويله فيما بعد إلى القضاء الذي يحكم بسجنه ١٢ شهراً، ما يدفعه بعد انقضاء حكمه لسلوك طريق العصابات والمافيا، فبات أحد أهم رجالات عصابة ملحم «أيمن زيدان» بعد أن نجح في اختبارات عدة، ولكن تكشف لنا الحلقات فيما بعد أن كل ما سبق كان مدبراً ومخططاً له بالتنسيق بين أمير والعميد خليل إبراهيم «طلال الجردي» وذلك من أجل الولوج إلى عصابة ملحم واستجرار الأخبار عن العصابة ومخططاتها ليتم إيقاعهم فيما بعد.

مخرج مناسب

لم يكن حال وسام «وسام فارس» بأفضل من حال أمير، فإن النقيب وسام الذي يعتمد عليه العميد خليل دخل الأكاديمية العسكرية ووصل إلى ما وصل بتخطيط وتدبير وتمويل من ملحم الذي يقصد بذلك معرفة ما يجري داخل الشرطة واضعاً بذلك وسام عيناً تنقل له ما يجري في مكتب العميد خليل، وهو ما ينجي ملحم مرات عديدة بالفعل من مصيدة الأمن بعد أن يشي له وسام نية فريق العميد مداهمته، فيقوم ملحم بالتحضر للموقف وإيجاد المخرج المناسب.

حالة إنسانية

على الرغم من أن العمل خالف التوقعات وخرج من عباءة دراما قصص الحب والعلاقات الرومانسية، إلا أنه لم يتمكن من الإفلات من شرك البهرجة والاستعراض والرفاهية المستفزة والإبهار البصري، فلا بد من استخدام سيارات فارهة وماركات ألبسة وأحذية عالمية، والبذخ في الديكور والمكياج، وحتى لقطات الكاميرا وزوايا التصوير والموسيقا التصويرية وحركات الأيدي وردات الأفعال جاءت متوافقة تماماً مع النسخة التركية، ما يجعلك تتابع عملاً تركياً مئة بالمئة، فلا روح عربية أو لبنانية ولا مواقع جغرافية توضح ذلك، فكيف لعمل لا يحمل هويتنا ولا نشعر بأي صلة بيننا وبينه يجعلنا نتعاطف معه؟

وحدها الحالة الإنسانية التي يتضمنها العمل تخلق ذلك

وقد وقع العمل في الشطط الكبير، ففي كثير من الأحيان كان بالإمكان أن يطلق أحدهم النار على خصمه ولا أحد يمنعه ويختصر على الجمهور وعلى القائمين على العمل عناءً وجهداً كبيرين، ولكنهم أصروا على تقديم هراء درامي لا يغني ولا يسمن، فما الجدوى من حشو وسرد وتفاصيل لا تخدم الفكرة العامة، وهي مجرد إطالة حوارات، ثم ما هذه الفانتازيا في مكاتب التحقيق التي تشعرك وكأنك في مكان للاستجمام؟ وهذا بالطبع لا ينفي تميز الممثلين في الأداء، فقدمت رشا بلال دورها بعفوية عالية وحضور مريح، واشتغلت على أدواتها وطورت من موهبتها، فبرغم قوة وعنفوان خولة التي شاهدناها في البداية، إلا أنها تعج بالمشاعر، ولا يمكنك إلا أن تتعاطف معها، وقد أعادها العميل إلى الواجهة وذكر الجمهور بها ليجمعها للمرة الثانية مع سامر إسماعيل بعد دورها في «فوضى» بشخصية فتحية.

رجل مافيا

ملحم رجل صاحب مطعم وكان يعمل في اللحوم وأصبح فيما بعد رجل مافيا وعصابات، لا يرحم ولا يهادن، حمل إلينا جميع التناقضات، تعامل أيمن زيدان بجدية مع شخصية ملحم المعجون بالشر ولم يقدمها مجرد شخصية شريرة فحسب، بل حاول تبرير طريقة تحولها إلى هذا الشكل، هو أب مختلف، تُختبر أبوته عند عدة معتركات، حاول زيدان إظهار الجانب الأبوي لكيلا يظهر بالشر المطلق.

البحث عن الحقيقة

تظهر في العمل حقيقة الصراع الأبدي بين الشر والخير، فقدم أمير بسالة وكفاءة عالية في الدفاع عن عائلته وحمايتها، ولاسيما أنه اضطر لتحمل أعباء كثيرة منذ عمر صغير، بعد أن زج رمز الشر في العمل «ملحم» والده فواز ثابت في السجن وأمر بخطف أخيه غسان، ليعيش أمير حالةً من التخبط بين شكه ويقينه بحقيقة أمر أخيه المختطف بعد أن أرسل الخاطف للعائلة قميصه ملطخاً بالدماء، فيخوض في مغامرة ورحلة البحث عن حقيقة أخيه معانياً الكثير من الويلات ليخرج من مشكلة ويجد نفسه متورطاً في أخرى أسوأ.

فتألق إسماعيل بردات أفعاله وقد ساعده في ذلك صوته الجهور، وتلون في المواقف حسبما يفرضه الظرف.

صورة مختلفة

يبتعد العمل عما ألفه المتلقي العربي في الدراما التركية المعربة، وخرج المسلسل عن الرتابة وجاء بأحداث قوية، وهو ما مكنه أداء الممثلين الذي جاء متقناً، فبعد سلسلة أعمال سابقة تمحورت في جوهرها حول العلاقات الرومانسية وقصص الحب والخيانة واستعراض الفساتين باهظة الثمن والسيارات الفارهة وغير ذلك، جاء العميل بصورة مختلفة بعض الشيء يحمل في طياته الكثير من الأكشن والإثارة ومشاهد القتال والمداهمات ما بين كر وفر بين العميد خليل إبراهيم وفريقه، وما بين ملحم شديد وعصابته، ولكن لم يخل العمل من خط فكاهي لطيف بعض الشيء.

صراع ومنافسة

لا يعرف وسام هويته الحقيقية، ولكن ثمة شعور غريب يجول في نفسه، تربطه بأمير علاقة ندية بعد أن كانا معاً في سلك الشرطة، ولكن في حقيقة الأمر هما أخوان دون أن يعرف أحدهما ذلك، وحده ملحم من يمتلك السر.

الصراع على أوجه بين وسام وأمير ليشتد تارة ويهمد تارة أخرى، وبعد أن كان التنافس سابقاً بينهما على أفضلية التكريم في دفعته، تجدد التنافس عند ملحم وخليل.

وقد أظهر فارس براعة عالية في تأدية الشخصية التائهة، بعد أن درس أبعادها النفسية والجسدية واطلع على حجم العقد التي عاشتها الشخصية.

مخططات شيطانية

لم تكن واضحة جداً وجلية شخصية وسوف التي يؤديها فادي صبيح، ولكن بعد أن بلغ العمل حلقات معقولة بات يظهر وسوف في خط مختلف يخفي وراءه الكثير من المخططات الشيطانية والمشاريع التوسعية للتخلص من ملحم ومعظم رجاله الذين ينتمي إليهم، ولكن بطريقة تبعده عن الشكوك، فهو يؤدي دوراً محورياً من المرجح أن يكون فاعلاً في تغيير مجرى أحداث العمل، وكعادته صبيح يجيد اللعب على الشخصية ويحسن انتقاء مفرداتها وطريقة تقديمها، فيسحرك بأدائه ويجذبك بتعابير وجهه وحركاته.

تبقى الأسئلة مفتوحة

أين درامانا السورية النابعة من صميم المجتمع السوري وتحدياته؟ أم إن تقديم مشروع ناجح سابقاً يوفر جهداً ومالاً ويضمن نجاحاً محققاً بصورة مسبقة؟

ثم ما الجدوى من تقديم عمل درامي كان قد قدم منه سابقاً ثلاثة أعمال؟ فأنتجت تركيا مسلسلها «في الداخل»، بعد أن اقتبست فكرته من فيلم «المغادرون» الذي أنتجته هوليوود عن القصة نفسها لفيلم صيني حمل اسم «شؤون جهنمية» في العام ٢٠٠٢، فاستنسخ العميل بصورة طبق الأصل عن «في الداخل» بجميع حواراته، فما الجديد الذي سيحمله العميل عما قُدّم في النسخ السابقة؟

ولا ضير إن كنا نستأنس بأعمال مطروحة مسبقاً، ولكن ما الذي يمنع أن نختزلها ونصنع عنها مسلسلات قصيرة أو أفلاماً روائية طويلة؟ لماذا نصر على الاستنساخ بشكل كامل بجميع التفاصيل؟ ألا يمكن أن تقدم رسالة العمل بعدد حلقات أقل من ٩٠؟

لماذا ننتج أعمالاً لا تشبهنا وتتمحور في جلها عن العصابات والخطف والمافيا؟ في الوقت الذي لا نجد فيه مثل هذه المظاهر في منطقتنا وعلينا قبولها والتعاطف معها على الرغم من عدم واقعيتها.

وقد أعد السيناريو للعمل رامي كوسا، وشارك في الكتابة ورشة كتاب مؤلفة من: فادي حسين وجود حمادة وليال الأخرس وأحمد أبو شقير وبيسان شقير.

ومن أبرز أبطال العمل بالإضافة لمن ذكر سابقاً: ميا سعيد وعبده شاهين وأيمن رضا وهند باز وجاد خاطر وغيرهم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن