قضايا وآراء

الخبر ما ترون لا ما تسمعون

| منذر عيد

عندما قال نائب الأمين العام لحزب اللـه نعيم قاسم في كلمة له في الخامس عشر من الشهر الجاري: «نحن أمام وحش هائج لا يتحمل أن تمنعه المقاومة من تحقيق أهدافه، ولكننا نحن من سيمسك رسنه ونعيده إلى الحظيرة»، اعتبر أعداء المقاومة والعروبة، أن الشيخ قاسم يعيش حالة من الحلم والوهم، وما كلماته تلك إلا نوع من الدعم النفسي للمقاومة وداعميها، وربما حتى بعض أنصار المقاومة، ربما وضعها في خانة الأهداف العريضة المستقبلية البعيدة للمقاومة، إلا أنه ومع مضي قرابة الأسبوعين على كلمات قاسم، فإن ذلك بدا بالترجمة على أرض الواقع وفي ميدان المعركة مع العدو الصهيوني، وهذا ليس من باب المغالاة في حب ودعم المقاومة، بل من خلال قراءة تطورات الميدان، وتغيير حزب اللـه الكثير من معادلات الصراع مع العدو الإسرائيلي.

لا يختلف اثنان على أن الحزب انتقل مؤخراً وبشكل سريع من مرحلة الدفاع عن لبنان، إلى مرحلة الهجوم، عبر إمطاره مستوطنات الشمال، ووسط فلسطين المحتلة حتى حيفا، ومحيط تل أبيب، وما تحتويه تلك الجغرافيا من قواعد ومصانع عسكرية وبنى تحتية استراتيجية، بعشرات الصواريخ والمسيّرات يومياً، كما أنه انتقل من حالة ردة الفعل إلى الفعل، فبات الحزب ينفذ وفق استراتيجية وخطط واضحة عملياته مستهدفاً بنكاً من الأهداف، استطاع بتفوقه الاستخباراتي أن يجمع عنه كل ما يلزم لتكون درجة الإصابة عالية الدقة.

إضافة إلى كل ما سبق، بدا لافتاً انتقال الحزب بالأمس إلى مرحلة جديدة غير مسبوقة في تاريخ الصراع العربي- الإسرائيلي منذ نشأة الكيان على أرض فلسطين، وهي مرحلة قيام الطرف المواجه للعدو الإسرائيلي بإصدار الأوامر إلى الداخل الصهيوني، حيث إن حزب اللـه قام أول أمس بإنذار المستوطنين في مستوطنة كريات شمونة إلى إخلائها فوراً، حيث باتت إضافة إلى 25 مستوطنة أخرى هدفاً عسكرياً مشروعاً للقوة الجوية والصاروخية في المقاومة، وليس كما كان يجري سابقا وهو تحذيرهم، وهذا الأمر يشكل خطوة ندية، مع التفريق بين المعتدي ومن يرد الاعتداء، للخطوات والسياسة التي ينتهجها العدو الإسرائيلي من خلال إنذاره المواطنين في لبنان.

«مزمار الحي لا يطرب» البعض، وفي عيون البعض الآخر العوراء، نحن أقلام منحازة للمقاومة، ونفتخر بذلك، وما نكتبه بعيداً كل البعد عن الحقيقة، ومجرد أضغاث أحلام، ولكن ماذا وعلى غير العادة، أن تعقد حكومة الكيان جلستها بالأمس تحت الأرض في مكان مخصص كملجأ، إضافة إلى أن الجلسة عقدت للمرة الأولى من دون مستشارين، وماذا بشأن نقل موقع «واللا» الإسرائيلي عن مصادر في حكومة الاحتلال، أن اجتماع الحكومة لن ينعقد بعد الآن في مكان ثابت، هل تلك الخطوة نوع من «البريستيج الدبلوماسي» للقضاء على الملل، أم أنه نتاج أوامر المقاومة التي أصدرتها بالنار، وأجبرت قادة الكيان على النزول مكرهين إلى تحت الأرض، للخروج «بعنتريات سياسية»، ويهددون المدنيين العزل في لبنان وقطاع غزة، ويكذبون مجدداً على أنهم سيعيدون مستوطني الشمال إلى منازلهم، وهم يشاهدون كل يوم أن تلك المستوطنات باتت خالية إلا من كلاب الشوارع الشاردة، وجنودهم المختبئين في منازل تلك المستوطنات، بعد أن حولوها إلى ثكنات ومقرات لهم، أليس ذلك فعل مقاوم ودخول الكيان برمته في مرحلة جديدة، مرحلة النفق المظلم، بعد مقتل وإصابة المئات من جنود الاحتلال على تخوم لبنان الجنوبي، من دون أن يتمكنوا من السيطرة ولو على متر واحد من ترابه؟

«مزمار الحي لا يطرب»، وحديثنا عن إنجاز كبير يحققه حزب اللـه في أرض المعركة، وقيادته دفة الأمور باقتدار، في رأي البعض هذيان، لكن ماذا بشأن جولات الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين، وعدم تمكنه من فرض شروط الكيان، وسعيه لإنجاز اتفاق مذل للبنان، عبر ظنه أن المقاومة في حالة من الضعف لا تمكنها من فرض شروطها، وبأن الوقت الحالي يشكل فرصة استثنائية للقضاء عليها نهائياً، وفرض واقع مستدام لا يسمح باستعادة المقاومة لقوتها، وماذا بشأن إعلان رئيس هيئة الأركان في الكيان هرتسي هاليفي أن «إسرائيل قد تنهي معركتها مع حزب اللـه اللبناني على الجبهة الشمالية»، كل ذلك ليس إلا بوادر هزيمة واستسلام إسرائيلي، وإنما تريد من يضع لها السلم للنزول من أعلى الشجرة، التي أصعدها إليها بنيامين نتنياهو، وإيجاد المخرج الذكي المتمرس، لإخراج مسرحية يبدو فيها الكيان وكأنه حقق إنجازاً ونصراً ما بعده من نصر، وما علينا إلا الانتظار، فعويل وصراخ جنود العدو في كفركلا والعديسة ومارون الراس وحولا وعيترون وبوابة فاطمة، باتت تنتقل عبر صفحات التواصل الاجتماعي، ومع اقترابنا على مسافة أيام من الانتخابات الأميركية، ونفاد الوقت الأميركي الممنوح للكيان لتحقيق أهدافه، فسوف نرى قريباً مسرحية صهيونية، يتم خلالها إعلان «نصر» إسرائيلي وإنهاء العدوان على لبنان، ولنتذكر جميعاً قول الأمين العام لحزب اللـه الشهيد حسن نصر اللـه في إطلالته الأخيرة: «الخبر ما ترون لا ما تسمعون».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن