مجموعة بريكس.. تصدٍّ صريح لحلف الـ«ناتو»
| رزوق الغاوي
ليس جديداً على مجمل صنوف المواقف السياسية الأميركية الضبابية ومخرجاتها العملية، أنها لدى وضعها موضع التنفيذ الفعلي على أرض الواقع، تكشف عن حقيقة خلفيات تلك المواقف من حيث الشكل والمضمون واللعب على الألفاظ الملتبسة والطروحات المتناقضة في معظم الحالات إن لم نقل في كل الحالات، إلى درجة تدعو على الدوام إلى عدم الأخذ بها على محمل الجد، بما يعنيه ذلك من انعدام الثقة بكل ما تطرحه الإدارات الأميركية بمجملها من وعود وتعهدات وخاصة المتصل منها بقضايا الحرية والديمقراطية والسيادة وحقوق الإنسان والسلام العالمي.
وعلى الرغم من المعرفة التامة بجوهر السياسة العامة للولايات المتحدة الأميركية القائمة على معاداة الشعوب ونهب ثرواتها والنيل من حقوقها الوطنية المشروعة وقراراتها السيادية المستقلة، تستمر الإدارة الأميركية في ممارسة نفاقها السياسي عبر إطلاق مزيد من الشعارات البراقة حول دعم السلام والازدهار في مناطق مختلفة من العالم.
في هذا السياق، وعلى عاداتها المعهودة بإطلاق كلمات حقِّ يُراد بها باطل، طلعت واشنطن على العالم مؤخراً بمبادرة من الـ«ناتو» تزعم فيها «المساهمة في تحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط وإفريقيا وإحلال السلام والازدهار فيهما» عبر وثيقة صادرة عن قيادة حلف شمال الأطلسي تؤكد أن مبادرة الـ«ناتو» تهدف إلى تعزيز وجوده في منطقتي الشرق الأوسط وإفريقيا تحت ذريعة دعم السلام فيهما!
وتأكيداً للنيات الأميركية بالذهاب باتجاه توسيع التمدد العسكري الأميركي أشارت الوثيقة إلى أن «الجوار الجنوبي لحلف شمال الأطلسي يوفر فرصاً للتعاون في القضايا ذات الاهتمام المشترك، وأننا نسعى جاهدين للمساهمة في الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط وإفريقيا».
تبدو مفيدة الإضاءة الآن على أن قادة حلف الـ«ناتو» اعتمدوا خطة عمل تتضمن حوارات موسعة مع دول الجوار الجنوبي تتناول القدرات الدفاعية لتلك الدول، ما يؤكد النيات الأميركية-الأطلسية لتوسيع وتطوير وجودهما العسكري في مناطق شرق أوسطياً وإفريقيا تحسباً لاحتمال تصعيد عسكري قد تشهده تلك المناطق على ضوء أجواء التوتر الراهنة المستجدة على بعض الأرجاء الدولية ما بين الشرق الأقصى والساحة الإفريقية.
ومن دون الدخول في جزئيات تفاصيل تلك المواقف التي يكمن فيها الشيطان، يُفَضَّلُ الاكتفاء بذكر عناوينها وأبرزها:
– الاحتلال الأميركي لجزءٍ من الأراضي السورية وتحويل القاعدة الأميركية في منطقة التنف السورية إلى مركز لتدريب الإرهابيين وتجنيدهم وإرسالهم من هناك للقتال مع عصابات المرتزقة التابعة للقوات المسلحة الأوكرانية.
– تواصل المخابرات الأوكرانية مع تنظيم جبهة النصرة والحزب التركستاني وميليشيات «قسد» و«أجناد القوقاز» و«جيش تحرير إنغوشيا»، العمل على إشراك تنظيم داعش للقتال في سورية.
– الإيغال الأميركي والغربي في تقديم كل أشكال الدعم العسكري لكل من النازية الأوكرانية والصهيونية المتوحشة.
– الذهاب الأميركي باتجاه توتير الأجواء في منطقة بحر الصين عبر إجراء مناورات عسكرية استفزازية للصين.
– انتهاج سياسة التهديد الأميركي المستمر بفرض العقوبات على كل من روسيا الاتحادية والصين الشعبية.
– ذهاب واشنطن والـ«ناتو» باتجاه افتعال صراعٍ في المنطقة القطبية الشمالية مع الحلف الروسي- الصيني.
لن تكون منطقة الشرق الأوسط ومنطقة أوروبا ومنطقة «الهندي – الهادئ» وحدها مناطق الصراع المشتعلة حول العالم لفترة طويلة، إذ هناك جبهة «جليدية» خَفية، بقيت لفترة طويلة، منطقة «صراع مؤجل» بين القوى العظمى، أي بين الولايات المتحدة والـ«ناتو» من جهة، والحلف الصيني– الروسي من جهة أخرى؛ والمقصود هنا المنطقة القطبية الشمالية، التي تُعدّ إحدى أغنى بقاع الأرض، وتشهد تحركات عسكرية روسية وأميركية غير مسبوقة، بينما كانت الصين اللاعب الأبرز الذي يدخل على الخط بقوة أخيراً، ودفع التعاون الصيني– الروسي المعمّق في تلك المنطقة، وانشغال واشنطن وحلفائها بحروب عدة حول العالم، إلى خروج تحذيرات كثيرة إلى العلن، حديثاً، حول أن الأوان قد «فات»، على الأرجح، بالنسبة إلى واشنطن وحلفائها لمواجهة نفوذ بكين وموسكو هناك، على الرغم من أن الولايات المتحدة تسارع إلى زيادة تسليحها وجهوزيتها العسكرية في هذه البقعة من الأرض، في محاولة جديدة، على الأرجح، لاحتواء موسكو.
وبطبيعة الحال تشكل هذه المواقف السياسية الغربية ومخرجاتها العدوانية المتوحشة جوهر الفكر الغربي وإستراتيجيته القائمة على النفاق السياسي والاستمرار في محاولات محاصرة روسيا والضغط على الصين وفرض مزيدٍ من التسلط والهيمنة على الساحة الدولية والتفرد في التعاطي مع القضايا الدولية بما يتفق مع مصالحها الامبريالية.
في مواجهة ما تقدم، جاءت قمة بريكس الأخيرة في مدينة قازان الروسية بمخرجاتها رافعة اليد في وجه المنظومة الغربية ومؤكدة عدم شرعيتها في معالجة القضايا والمشكلات والمسائل الدولية الشائكة وإخفاقها في إيجاد حلول عادلة لها، ما يعني انحسار الثقة بالقدرة الغربية على معالجة تلك القضايا، في إشارة إلى أن الهيمنة الأميركية على منظمة الأمم المتحدة جعلتها عاجزة عن القيام بدورها الأساسي ولا تمثل مصالح المجتمع العالمي، ولا تملك الوسائل الكفيلة بتحقيق رغبة العالم بالسلام.
كاتب سوري