محكماً ومحاضراً في مهرجان طريق الحرير السينمائي الدولي في الصين … نجدة أنزور: استعادة طريق الحرير الصيني في البر والبحر حدث تاريخي جليل يؤسس لتجربة إنسانية جديدة
| وائل العدس
تلبية للدعوة التي تلقاها من إدارة مهرجان «طريق الحرير» السينمائي الدولي؛ شارك المخرج السينمائي السوري الكبير نجدة أنزور في لجنة تحكيم الأفلام الوثائقية في المهرجان الذي أقيم مؤخراً في مدينة «شي آن» العاصمة التاريخية للصين، وسط مشاركة نجوم السينما الأوروبية والآسيوية الذين أطلوا في حفلي الافتتاح والختام بمرورهم على السجادة الحمراء.
وتميز المهرجان في دورته الحادية عشر بمشاركة 2065 فيلماً، من 136 دولة، وترشيح 24 فيلماً للجائزة الكبرى، حيث منحت جائزة المهرجان الذهبية للفيلم الوثائقي «غرق سفينة لشبونة مارو» للمخرج العالمي فانج لي، هذا الفيلم الذي يعيد إحياء حادثة غامضة عام 1942 خلال الحرب العالمية الثانية، لقي على أثرها أكثر من 800 جندي بريطاني حتفه؛ عندما نسفت البحرية الأمريكية سفينة نقل قوات يابانية غير مسجلة تستخدم لنقل أسرى الحرب، والمفاجئ إنقاذ ما يقرب 380 أسيراً بريطانياً على يد صيادين صينيين خاطروا بحياتهم لإنقاذ الأسرى وإيوائهم من القوات اليابانية، لتجميع قصة غرق السفينة وتجربة الناجين.
نافذة فريدة
على هامش العروض السينمائية؛ أقيمت عدة ندوات حول المهرجان والأفلام المشاركة، وخلال ندوة «أهمية الفيلم الوثائقي» تحدث أنزور عن الاختلافات بين عناصر ووظائف ومعايير الفيلم الوثائقي والفيلم الروائي، موضحاً أن التعامل مع الأفلام الوثائقية من خلفيات ثقافية وجيوسياسية متنوعة؛ يتطلب تفهماً عميقاً للسياق الذي يتم فيه إنتاج الفيلم، ومراجعة الفيلم بعين منفتحة تحترم تلك التنوعات، والابتعاد عن التحيز الشخصي أو الثقافي.
وأكد أن التحديات تكمن في توازن الحكم بين تقدير الجوانب الفنية من جهة؛ وفهم الدلالات الثقافية والجيوسياسية التي قد تكون غير مألوفة من جهة أخرى، مبيناً أن المفتاح هو التمسك بمبادئ الإنصاف والتنوع وتقدير الاختلافات الثقافية.
وأعرب أنزور عن دهشته من الاهتمام الكبير الذي توليه الصين لثقافة السينما، معتبراً أن الأفلام الوثائقية نافذة فريدة تمكّن المشاهد من استكشاف عوالم جديدة، والتعرّف على تجارب وقصص شعوب مختلفة، مشدداً على أنها وسيلة قوية لتسليط الضوء على القيم المشتركة والتحديات الإنسانية.
وأضاف: في إطار مهرجان يحتفي بإرث طريق الحرير، فإن الأفلام الوثائقية تلعب دوراً محورياً في إعادة إحياء التبادل الثقافي القديم بين الحضارات، ما يعزز الفهم المتبادل ويربط الماضي بالحاضر في سياق عالمي.
دور محوري هائل
وتحدث أنزور عن أهمية المشاركة في هذا المهرجان فقال: المشاركة في مثل هذه الفعاليات السينما تعزز الفهم المتبادل بين الثقافات في سياق عالمي، حيث لعب طريق الحرير دوراً محورياً هائلاً في التجارة الدولية القديمة، وكانت الصين في قلب هذا الحدث التاريخي المذهل إنتاجاً وتصنيعاً وتوريداً من الشرق إلى الغرب، في مسيرة تاريخية استمرت آلاف السنين، وها هي الصين المعاصرة تستعيدها عبر مبادرة الحزام والطريق بحكمة فذة ونزاهة ودراية وذكاء، تماماً كما فعل الأجداد.
وتابع: إننا ندرك أن قوافل الصين لم تنقل السلع فقط، بل نقلت الثقافات والتجارب الإنسانية الحضارية والإبداعية في أوسع وأعمق مثاقفة سلمية لم يشهد التاريخ لها مثيلاً.
وأكد أن استعادة طريق الحرير الصيني في البر والبحر حدث تاريخي جليل يؤسس لتجربة إنسانية جديدة قائمة على الحوار والسلام وتبادل المنافع والخبرات، وهي حاجة ماسة للبشرية لتشكّل سداً أمام الحروب والكوارث المرعبة التي تفتعلها الإمبريالية بنسختها المعولمة المتوحشة التي تريد التهام الكوكب بما وبمن عليه.
ووجه تحية للصين قائلاً: تحية للصين التي عملت بدأبٍ وحكمةٍ وشجاعة لإحياء تجربة علاقات السلام الحضارية بين الشعوب، ولعل مبادرة الحزام والطريق، أي طريق الحرير المعاصر من أبرز معالم هذه السياسة الحكيمة النبيلة التي ترمي إلى خير ورفاهية شعوب العالم كلها.
علاقات متينة
ونوه أنزور بأن أهمية هذا النوع من المشاركات يمهد لعلاقات متينة بين صنّاع السينما، وفتح الكثير من آفاق التعاون، وتعزيز التبادل بين الثقافات والحضارات المختلفة عبر السينما كواحدة من أدوات التأثير الثقافي بين شعوب المنطقة.
واعتبر أن حضور عدد كبير من صنّاع السينما دليل على أن المهرجان يحمل في طياته عبق حضاري وفكر إنساني يسعى لتقديمه للعالم، كما هي سياسة الصين التي تدعو إلى الوفاق والتعاون والتضامن الوثيق بين شعوب المنطقة لبناء مجتمعات متطورة ومتقدمة لمواجهة قوى الشر والعدوان، وهو ما تعزز في الاتفاق الاستراتيجي المشترك بين الرئيسين السوري والصيني العام الفائت.
وأثنى أنزور على مشروع الرئيس الصيني شي جين بينغ الداعي إلى بناء مجتمع المصير الصيني العربي المشترك لتعزيز التعاون والتبادل الثقافي وخصوصاً بين الصين وسورية لتحقيق التنمية والازدهار المشتركين.
مشاركات متنوعة
يذكر أن نجدة أنزور شارك مؤخراً في عدد من المهرجانات السينمائية العربية والعالمية منها: مهرجان شنغهاي السينمائي الدولي، ومهرجان الباندا الذهبي، ومهرجان عين للأفلام القصيرة في عُمان، ومهرجان بغداد السينمائي للأفلام الروائية الطويلة.