الانقسام بين السلفيين والعلمانيين ونتائجه الوخيمة على الكيان
| تحسين حلبي
لم يشهد الكيان الإسرائيلي انقساماً بين المتدينين السلفيين اليهود وبين بقية الأحزاب السياسية العلمانية الصهيونية، مثل الانقسام الذي ولدته عملية طوفان الأقصى بين الأحزاب الإسرائيلية في موضوع فرض التجنيد الإلزامي للشبان الذين يتخصصون بدراسة التوراة من أعضاء وأنصار حزب «يهدوت التوراة» وحليفه حزب «شاس» اليهودي السلفي، فهذان الحزبان اللذان يمثلهما 18 مقعداً من 120 مقعداً مجموع أعضاء البرلمان «الكنيست»، كانت معظم أحزاب الكيان تفضل حصولها على تأييد أحد الحزبين أو كلاهما للحصول على أغلبية برلمانية في تشكيل الحكومات وتعفي أعضاءهما مقابل ذلك من الخدمة الإلزامية، وتقدم للحزبين أموالاً لنفقات هؤلاء الشبان الذين لا يخدمون في الجيش، وفي ظروف هذه الحرب التي يشنها جيش الاحتلال منذ السابع من تشرين الأول 2023، فقدت القوة البشرية العسكرية الإسرائيلية جزءاً كبيراً بسبب الخسائر من قتلى وجرحى، وبسبب الهجرة العكسية لما يزيد على 800 ألف من الإسرائيليين بموجب إحصاءات خارجية محايدة، وأبدى المستوطنون الذين يخدم أبناؤهم بالجيش، غضبهم من قرارات الإعفاء، وأعربوا عن رفضهم إعفاء عدد من الشبان يمثلون 15 بالمئة من المستوطنين لأنهم ينتمون لهذين الحزبين ويتخصصون بدراسة التوراة كرجال دين أو حاخاميين ولا يخدمون في الجيش، وتبين في استطلاعات الرأي التي أجرتها صحيفة «يسرائيل هايوم» الصادرة أمس الأربعاء أن 77 بالمئة من الإسرائيليين يطالبون الآن بفرض عقوبات على كل من يتخلف عن الخدمة الإلزامية، وأن 57 بالمئة من الإسرائيليين يؤيدون فرض قانون الخدمة الإلزامية على هؤلاء الشبان و27 بالمئة يؤيدون إعفاءهم و16 بالمئة لا رأي لهم بالموضوع، كما تبين أن 80 بالمئة من أعضاء حزب «هناك مستقبل» المعارض يرفضون إعفاءهم و86 بالمئة من حزب «المعسكر المركزي» وهو ثاني أكبر الأحزاب، يرفضون إعفاءهم أيضاً، وهذا ما أيده 94 بالمئة من حزب «يسرائيل بيتنا» بقيادة أفيغدور ليبيرمان، وكذلك 93 بالمئة من حزب العمل، وهذه الأحزاب جميعها في المعارضة، وتبين أن 49 بالمئة من حزب الليكود الحاكم لا يؤيدون إعفاء هؤلاء الشبان من الخدمة الإلزامية، علماً أن حزب الليكود بقيادة بنيامين نتنياهو يعد الحليف الأساسي الداعم لإعفائهم من الخدمة، بل إن الحزبين «يهدوت التوراة» وحزب «شاس» اللذان يمثلهما 18 مقعداً في البرلمان الكنيست لا يمكن أن يتجاهلهما نتنياهو الذي يستند إليهما لبقائه رئيساً للحكومة، وإذا ما اتخذ البرلمان قراراً بمنع الإعفاء، فسوف يمتنع الحزبان عن تأييد حكومة نتنياهو فتسقط ويتسبب سقوطها بكارثة على حزب الليكود ورئيسه نتنياهو بسبب إخفاقه في منع عملية «طوفان الأقصى» التي زعزعت الكيان الإسرائيلي، وتبين أن معظم أنصار وأعضاء حزب إيتامار غفير وباتسليئيل سموتريتش المتشددين، حلفاء نتنياهو، يفضلون استمرار إعفاء هؤلاء الشبان لكي لا تسقط حكومتهم مع نتنياهو، ومهما كانت نتائج المفاوضات التي يجريها نتنياهو مع قادة حزب «يهدوت التوراة» وحزب «شاس» حول هذا الموضوع، إلا أن هذا الانقسام في القواعد السياسية والاجتماعية الحادة في الكيان الإسرائيلي سيحمل معه مضاعفات على معنويات جنود جيش الاحتلال الذين بدؤوا ينددون بعدم إلزام بقية الشبان المستوطنين بالخدمة العسكرية، ورفع بعضهم شعارات تعلن أن «هناك من يموت في الحرب وآخرون يقبضون المال من الحرب»، وفي مواجهة هذه الشعارات قام الذين لا يخدمون بالجيش بتظاهرات يطالبون فيها باستمرار إعفائهم من الخدمة، وقد جاء توقيت هذه الأزمة التي يواجهها نتنياهو وحزب الليكود في ظل نقص حاد في القوة البشرية العسكرية من ناحية وانعدام لهجرة اليهود إلى الكيان من ناحية أخرى، ما يجعل النتائج التي فرضتها عملية «طوفان الأقصى» أوسع مدى وتزداد في خطورتها على مستقبل قوة هذا الكيان.