الرد الإيراني الحتمي والمؤكد.. وإلا؟
| محمد نادر العمري
لا تبدو أن تداعيات الهجوم الإسرائيلي الأخير على إيران، سيتم احتواؤه، أو أنه لن يواجه برد بات لزاماً وضرورياً بالنسبة للقيادة الإيرانية، على الرغم من أن الساعات الأولى لما بعد هذا الهجوم حمل العديد من التسريبات الإعلامية وربما تكون الاختراقات الإعلامية ولاسيما الغربية منها، وفي مقدمتها الأميركية والبريطانية، التي تحدثت عن عدم رغبة إيران بالرد على هذا الهجوم، لم تكن سوى محاولات لاحتواء هذا الرد.
التباين والتناقض وانتقال الصراع والتجاذب والكباش بين طهران وتل أبيب من النطاق العسكري الميداني، إلى الواقع الإعلامي السياسي والذي تمثل مؤخراً في جلسة مجلس الأمن التي انعقدت مساء الإثنين الماضي حول الأوضاع بالشرق الأوسط، تؤكد أن هذا الهجوم وتداعياته لم ينتهِ، وخاصة في ظل وجود حرب الروايات التي تتجاوز إطارها الحرب النفسية، والتي تتمثل الأولى بالدعاية الإسرائيلية التي اعتبرت أن هذا الهجوم المركب الذي نفذ بـ100 طائرة حربية وعدد من الطائرات المسيرة إلى جانب الحرب السيبرانية، حقق الأهداف المرجوة منه في استهداف منظومة الدفاع الإيرانية ومراكز إنتاج وتخزين الصواريخ البالستية، وهو ما برز في تأكيدات معظم المسؤولين الإسرائيليين السياسيين والعسكريين وفي مقدمتهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يؤاف غالنت، في مقابل هذه الدعاية قدمت إيران رواية مضادة قوامها، إن هذا الهجوم كانت على دراية به، وإنه لا يعدو كونه استعراضاً للعضلات الإسرائيلية لحفظ ماء الوجه ولم يحقق أياً من أهدافه، بل على العكس من ذلك استطاعت القوات الدفاعية الإيرانية بمختلف مجالاتها من التصدي لمعظم أدوات الهجوم الإسرائيلي، وأكدت أن إسرائيل لم تستخدم سوى 25 طائرة في هجومها الذي حصل على ثلاث جولات متتالية.
صراع وحرب وكباش الروايات الذي اتخذ شكل تحقيق مكاسب سياسية وترجمتها لمصلحة كل من الطرفين لتحقيق ما يمكن وصفه بكسر توازن الردع للطرف الآخر، يمكن تبيانه في مسعى إسرائيل للترويج بأن هذا الهجوم الأول من نوعه، سيفتح الآفاق أمام هجمات أخرى أشد وطأة وأكثر تأثيراً لكونه أضعف المنظومة الدفاعية لإيران، وقلل من تأثير أحد أبرز مقومات قوتها المتمثلة بالقوة الصاروخية، في مقابل السعي العسكري الإيراني الذي لا يمكن عزله عن المسار الدبلوماسي الذي شهد نشاطاً ملحوظاً من خلال الجولة المكوكية المتسارعة لوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي على عدد من دول الإقليم، وذلك لتعزيز قواعد الردع من ناحية قبل الهجوم، وهذا ما نجحت به إيران ولا يمكن إنكاره، وكذلك لإظهار قوتها ومكانتها الإقليمية وقدرتها بالدفاع عن نفسها.
بغض النظر عن مدى مصداقية كل من الروايتين، بشكل نسبي أو مطلق، والذي من دون أدنى شك، يوظف في إطار رسم معالم وقواعد اشتباك جديدة، وفي بعض الأحيان تحسين التموضع التفاوضي، يبقى الأهم من كل ذلك، السؤال الذي بات يطرح نفسه اليوم بكل قوة، هل هذا الهجوم خفض مؤشرات التصعيد على مستوى المنطقة وقلل من احتمالات نشوب حرب إقليمية؟ وهل من شأنه أن يسرع من وتيرة التفاوض السياسي لإيجاد حلول ولو مؤقتة للعدوان الإسرائيلي المستمر على غزة ولبنان والمنطقة؟
إن جولة التفاوض التي شهدتها قطر بعد هذا الهجوم بساعات قليلة، وزيارة المبعوث الأميركي الخاص عاموس هوكشتاين للكيان الإسرائيلي، لن تفضي لأي نتائج أو مخرجات فعلية، ربما في أحسن الأحوال قد تشجع فقط لتحسن الأجواء في زيادة الآمال فقط باحتمال التوصل لاتفاق جزئي ومؤقت، خاصة أن إيران باتت اليوم أمام قرار الرد الحتمي على الهجوم الإسرائيلي، وذلك لعدة أسباب أو دوافع تضطرها للقيام بهذا الرد تتمثل بـ:
أولاً_ العدوان استهدف في جولته الأولى العاصمة الإيرانية طهران، وهنا بغض النظر في حال تحقيق العدوان أهدافه أم لا، إلا أنه استهدف العاصمة الإيرانية بما يحمله ذلك من مكانة معنوية وأمنية وعسكرية وسياسية، ولا يمكن لدولة كوزن ومكانة إيران أن تخطئ في حساباتها الاستراتيجية وتتجاهل رمزية وتبعات ذلك داخلياً وخارجياً.
ثانياً_ نجم عن هذا الهجوم الإسرائيلي ارتقاء أربعة شهداء من الجيش والقوات المسلحة الإيرانية، بمعنى أن هذا العدوان نجم عنه دماء، وهو ما يتطلب من إيران الدفاع عن شعبها ومؤسساتها وفق العقيدة الإيرانية.
ثالثاً_ لأول مرة تعلن «إسرائيل» بشكل مباشر وعلني مسؤوليتها عن شن هجوم وعدوان عسكري على إيران، وهو ما يحمل آثاراً سلبية على مكانة إيران الإقليمية في حال عدم ردها من جانب، ومن جانب آخر هذا الإعلان قد يكون تمهيداً لعمليات عدوانية عسكرية على إيران تستهدف أهدافاً أخرى في حال عدم قيامها بالرد لاستعادة صورة الردع وتثبيت موازين القوى، وهو ما أشار إليه المسؤولون الصهاينة بمن فيهم وزير الأمن القومي إيتمار بني غفير الذي عدّ هذا الهجوم خطوة جريئة أمام مسار من الهجمات التي ستفضي في نهاية الأمر لتدمير المفاعل النووي الإيراني بعد تقليص إيران من موارد قوتها الدفاعية والهجومية.
رابعاً_ عدم رد إيران قد يرجح الرواية الإسرائيلية وتجعلها أكثر رواجاً على المستويات الداخلية والإقليمية والدولية، من حيث إن إسرائيل نجحت في استهداف مخازن الأسلحة الصاروخية البالستية ومراكز إنتاجها فضلاً عن منظومة الدفاع، وستزداد رواج هذه السردية من قبل الإسرائيليين والأميركيين، خاصة من حيث ربط ذلك بعدم قدرة إيران على الرد خشية من نقص مخزونها الصاروخي والخشية أيضاً من رد إسرائيلي جديد في ظل تناقص عدد المنصات الدفاعية.
خامساً_ تصريح المرشد العام للثورة الإيرانية علي الخامنئي بأن ما فعلته إسرائيل خطأ في الحسابات يجب إفشاله، بمعنى أن تقدير الموقف الإيراني على أعلى المستويات يدرك بأن الكيان لن يتوقف عند هذا الحد وسيسعى نحو تصعيد الأمور بالمنطقة، وخاصة بعد تمسك نتنياهو بتصريحاته بأن الحرب الذي تخوضها إسرائيل هي حرب وجودية، ويبقى السؤال، متى وكيف سيكون الرد الإيراني؟
هناك سيناريوهان: الأول أن يكون الرد الإيراني قبل الانتخابات الأميركية وخاصة أن تأثير ما يحصل من رد ورد مضاد بين تل أبيب وطهران لن يترك تأثيره على هذه الانتخابات إن لم يكن هناك مشاركة أميركية مباشرة أو إن لم تكن لهذه الجولات أي تأثير على الواقع الداخلي المعيشي للناخب الأميركي، وهذا السيناريو مرجح انطلاقاً من احتمال استغلال إسرائيل هذه المرة لتأخر الرد الإيراني للقيام بعمل عسكري ثان محتمل ضدها سواء كان على شكل هجوم فجر السبت الماضي، أم ضد مصالحها بالمنطقة، أو عبر اللجوء لسياسة الاغتيالات؛ في حين أن السيناريو الآخر يكمن في أن إيران تحرص على معرفة نتائج الانتخابات الأميركية، بمعنى سيتوقف ردها على طبيعة هذه النتائج، فإن كان الفوز لمصلحة الديمقراطيين ستسارع لرد مضبوط، ولكن إن كان الفوز لمصلحة خصمها اللدود المرشح الجمهوري دونالد ترامب، فإنها غالباً ستسارع نحو رد كبير وموجع تسعى بعده لاستغلال فترة الشهرين، وهي الفترة التي ستتبقى للإدارة الحالية، بهدف التوصل لحل أو صفقة تخفض من خلالها مؤشرات العنف على مستوى المنطقة لقطع الطريق أمام ترامب لاستثمار ما يحصل بهدف العبث باستقرار المنطقة لمصلحة الكيان، ولاسيما أن استطلاعات الرأي الذي أجرته «القناة 12» الإسرائيلية توصلت إلى أن 66 بالمئة من الإسرائيليين يفضلون عودته إلى البيت الأبيض.
كاتب سوري