استعدوا لإعادة التشجير
| ميشيل خياط
نتفهم حزن وأسى ووجع أصحاب الأراضي التي احترقت مؤخراً في أرياف حمص وطرطوس واللاذقية، وجيران الغابات الساحرة المستفيدين من حطبها وخشبها ودورها السياحي والصحي، وأصحاب الفنادق والمطاعم والمحال التجارية ومختلف أنواع المنشآت، لكننا لا نغفر أبداً لمن تصرف وكأنه تفاجأ…!!.
لقد حذرت منصة الغابات ومراقبة الحرائق السورية التابعة لهيئة الاستشعار عن بعد، من احتمال نشوب حرائق في غاباتنا وأراضينا الزراعية في الأسبوع الأخير من تشرين الأول الماضي، وقالت «إن هناك مستويات خطورة مرتفعة للحرائق»…!.
ونص التحذير على تجنب حرق الأعشاب اليابسة وإشعال نار على أطراف الغابات أو البساتين، والإبلاغ فوراً عن أي دخان متصاعد أو نيران مشتعلة، ونشرت تلك المنصة أرقام هواتف الطوارئ، للتوجه السريع نحو تلك الحرائق وإخمادها.
الحدث جلل والخسائر فادحة، عشرة آلاف دونم في مرمريتا وحدها في ريف حمص، 90 بالمئة منها مزروعة بأشجار الزيتون وعشرة آلاف أخرى في الريف ذاته في حبنمرة وتنورين والمزينة وعين الفوار وعين الغارة وبلاط… إلخ وقيل إن الفلاحين لم يقطفوا 25بالمئة من حمولة أشجارهم.
ارتفعت الكثير من أصوات الاستغاثة أيام (28/29/30/) من الشهر الماضي، مطالبة بإجراءات فعالة لإخماد الحرائق التي اجتثت طبيعة ساحرة لا يمكن تعويضها بيسر، خسائر فادحة عصية على القياس بالمال.
ولقد نَصحت بالاعتماد على القدرات والموارد الذاتية في سياق فزعة شعبية تؤازر الإمكانات التي أرسلت لأن النيران سريعة لا تبقي ولا تذر.
وشهدت طرطوس حرائق في قرية البريج والوديان القريبة منها، ثم نشبت حرائق كبرى في ريف اللاذقية، في غابات البدروسية وتشالما وكسب وصولاً إلى سمرا.
استمرت تلك الحرائق في حمص واللاذقية بشكل خاص عدة أيام، وكانت كلما أخمدت تشتعل من جديد، وساهم الأهالي في هذا الجهد الكبير، وطُلبت مؤازرة لريف اللاذقية من عدة أفواج إطفاء في معظم المحافظات السورية، وشاركت الحوامات نهاراً في هذا السعي وكان مضنياً، بسبب شدة الرياح وتأخر الأمطار ووعورة المناطق الجبلية الشاهقة، ولم تنشر أرقام بعد عن المساحات التي تفحمت في جبال عروس ساحلنا، ومن المؤسف أنه ساعة كتابة هذه المقالة «مساء الأول من الشهر الجاري» جاءت أخبار معلنة أنه تم إخلاء سكان بعض المنازل من سكانها في قريتي شير قاق وبكاس في الحفة باللاذقية، بسبب الحريق المندلع في محيط قلعة صلاح الدين وسكان منازل قرية البيطار في ريف القرداحة، في وقت رجع فيه أهالي البدروسية إلى بيوتهم بعد التأكد من سلامتها.
تتجدد حرائق الغابات الموجعة كل عام، وبات توقيتها شبه معروف، ولاسيما بعد امتلاكنا منصة حماية الغابات ومكافحة الحرائق، ما يحتم اتخاذ إجراءات احتياطية استباقية، مثل ترطيب الغابات وتجهيز طائرات مكافحة الحرائق، وطلب المساعدة مسبقاً من أفواج إطفاء كل محافظاتنا لترابط في المحافظات ذات الغابات الكثيفة.
نعرف أن ظروفنا صعبة، ولكن هناك ألف طريقة للحصول على سيارات إطفاء حديثة متطورة، وتجهيزات ضرورية، من المنظمات الدولية أو الجمعيات الإنسانية أو من بعض المانحين محبي الخير لوطنهم أو حتى لقراهم، فلتمتلك كل قرية ذات طبيعة ساحرة سيارة إطفاء أو أكثر تكون بمنزلة حصن لها ضد النيران، يتم الإنفاق عليها من أرباح الفنادق والمطاعم والمنشآت الترفيهية التي تستفيد من جمال الطبيعة وعذوبة طقسها في الصيف، ومن تبرعات المغتربين محبي قراهم ومن جباية البلدية.
اقرعوا يفتح لكم لا تتكتفوا في مواجهة كوارث تتكرر عاماً إثر عام. ليس معقولاً أن نفقد غاباتنا وزراعتنا تباعا، وحتى يتحقق ذلك، نثق أن من خسروا لن يًتركوا يكويهم الألم.
لدى سورية صناديق لمواجهة الكوارث والجفاف والأخطار الطبيعية التي تتعرض لها المواسم الزراعية، وفي سنة سابقة شهدت حرائق بهذا الكبر، جرى التعويض على الفلاحين بالمال والغراس.
ويبقى مهماً جداً، أن ندرك وبعمق أن الأشجار سواء حراجية أم مثمرة هي ضرورة حياتية، وغذاء ودواء للجسد والروح، إنها حامية للمياه «75بالمئة من مياه العالم العذبة تحت الغابات» ومنقية للهواء من الغازات السوداء، وينابيع للهواء النقي «الأوكسجين» ومن دونها لا يعيش الإنسان أكثر من ثلاث دقائق!!
يجب إعادة تشجير الأراضي المحروقة بجدية ويجب زيادة مساحة التشجير ومضاعفة عدد الغراس الجديدة عشرات المرات على الأقل.