الانتخابات الرئاسية الأميركية وأثرها في تحولات الإقليم
| د. مازن جبور
تمثل التطورات الحالية في المنطقة، وبشكل خاص مبادرات وقف إطلاق النار، مؤشرات عن مدى ترابط محور المقاومة وقدرته على التماسك وإعادة ترميم نفسها بسرعة وفعالية، وذلك يعود إلى البناء المؤسسي والتنظيمي والأيديولوجي له، ومن ثم فإن لا نتائج جوهرية للانتخابات الرئاسية الأميركية في التحولات الجيوسياسية في الإقليم.
وفي هذا السياق يمكن النظر إلى العدوان الإسرائيلي الأخير على إيران من ناحية الشكل والمضمون، على أنه مجرد رد اعتبار حكومة العدو أمام جمهورها، ويشير بالمضمون إلى واقع الميدان، فيمكن التأكيد على صمود المقاومة في جبهة جنوب لبنان، وحتى في غزة، ومن هنا يمكن قراءة المشهد العام على أنه يتجه نحو التسوية، ويظهر ذلك في ورقة التفاهم التي حملها المبعوث الأميركي آموس هوكستين إلى لبنان، فهي ورقة تبحث عن التسوية، على الرغم من أنها تتضمن الكثير من البنود التفاوضية، بمعنى أن بعض البنود قد تكون وضعت لرفع سقف التفاوض، ومن ثم التنازل عنها.
إن التسوية القادمة قد تكون غير مستقرة على المدى الطويل، لكنها ذات مقبولية على المدى القريب والمتوسط، من ناحية تخفيف الضغط عن حركات المقاومة، وفي الوقت ذاته فإن واشنطن بحاجة إلى التسوية من أجل تمرير الانتخابات الرئاسية الأميركية، ولكن السؤال الأبرز، كيف يمكن قراءة مستقبل الصراع في المنطقة في ضوء نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية؟
يبدو أن نتنياهو يفضّل فوز دونالد ترامب في هذه الانتخابات، ظناً منه أن الطريق سيصبح ممهّداً بصورة أفضل لممارسة أكبر قدر من الضغوط على كل الأطراف المعنية بالصراع في المنطقة، خصوصاً مع دخول إيران طرفاً مباشراً فيه، في وقت يحاول فيه النظام الإقليمي العربي الانسحاب كلياً من هذا الصراع، وهذا سيغيّر في المعطيات الجيوسياسية للمنطقة، إذ ستتحول العلاقة بين إيران ومحور المقاومة إلى علاقة عضوية، عنوانها الانتقال من وحدة الساحات إلى وحدة المصير.
على الرغم من أن رؤية إيران للقضية الفلسطينية يجب أن تختلف عن رؤية الدول العربية لها، ففلسطين وطن لشعب عربي يرتبط مع الشعوب المجاورة بروابط قومية صنعتها وحدة الثقافة والتاريخ المشترك، فالدول العربية وقفت إلى جانب الشعب الفلسطيني ضدّ الاحتلال البريطاني والمشروع الصهيوني الاستيطاني معاً، وخاضت الحرب إلى جانبه بمجرد إعلان بن غوريون قيام «دولة إسرائيل» عام 1948، وهكذا تحول الصراع من صراع فلسطيني- إسرائيلي إلى صراع عربي- إسرائيلي، ومع تطور مجريات الصراع في الوقت الراهن، فإنه سيتحول لاحقاً إلى صراع إيراني- إسرائيلي، على أرض عربية ومن أجل قضية عربية مركزية، بعبارة أخرى يمكن القول إن النظام الإقليمي العربي ينسحب تدريجياً من الصراع العسكري مع الكيان، تاركاً فراغاً ستملؤه القوى الإقليمية غير العربية المتنافسة في المنطقة، وبدأت بملئه إيران بالفعل.
إن التوصّل إلى نقطة توازن تسمح باستقرار معادلة ردع جديدة في المنطقة، يبدو مستبعداً في ظلّ الوضع الراهن، فإيران، التي تمتلك قدرات عسكرية وتكنولوجية لا يستهان بها، ولها ثقل إقليمي وديموغرافي كبير، وهي عنصر أساسي في محور المقاومة، فإنه سوف يستحيل على الكيان تصفية القضية الفلسطينية طالما ظلّ محور المقاومة قائماً ومتماسكاً، ما يفسّر سعيه لفصل مكوّنات هذا المحور بعضها عن بعض.
في خضم هذا الواقع، يبدو أن قادة الكيان لم يدركوا بعد أن دخول إيران طرفاً مباشراً في الصراع المسلّح مع الكيان يشكّل معضلة لن يكون بمقدور الكيان تجاوزها، وإن كانت المواجهة مع حركات المقاومة في غزة وفي جنوب لبنان قد طالت لأكثر من عام دون تحقيق أهداف الكيان وقادته، بل أن نتائج هذه الحرب أصبحت لها تأثيرات على ميزان القوى المتصارعة في المنطقة، وعلى الرغم من أهميتها تلك، إلا أنها قد لا تحدث تغييرات كبيرة في المعادلات الإقليمية القائمة، على اعتبار أن محور المقاومة لا يزال متماسكاً ومترابطاً جغرافياً وسياسياً وعسكرياً، وقادراً على تحقيق الربط الجغرافي من إيران إلى فلسطين ولبنان عبر العراق وسورية، وهذه المعادلة مستحيلة الحل بالنسبة للكيان وداعميه في الإقليم.
بناءً على ما سبق، فإنه أياً تكن نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية فإن ما يحكم أي تحول جيوسياسي في الإقليم، هو رهن إحداث فصل جغرافي في المحور، وهو ما حاولت واشنطن فعله من خلال احتلالها لمناطق شرق وشمال شرق سورية، ولم تنجح، وهو ما تسعى إسرائيل للقيام به على الحدود السورية- اللبنانية، ولن تنجح.