قمة «بريكس» وفشل الغرب في عزل موسكو
| د. قحطان السيوفي
انعقدت الدورة السادسة عشرة لقمة مجموعة «بريكس» في قازان عاصمة جمهورية تترستان في روسيا الإتحادية، من 22 إلى 24 تشرين الثاني 2024، وأرادت روسيا عبر مشاركة ما يقرب من أربعين دولة أن تبرز «بريكس+» بمنزلة «تكتل معاد للغرب»، وهذه تُعد القمة الأولى بعد انضمام مجموعة من الدول لمجموعة «بريكس» في مطلع العام 2024، ليصل عدد أعضاء المجموعة الأساسيين إلى 10 دول، بعد أن كان 5 فقط، والخمسة الجدد هم السعودية ومصر والإمارات وإيران وإثيوبيا.
انتهت قمة «بريكس» في قازان، وبدا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منتشياً ومتألقاً وهو محاط بعدد من قادة العالم، هذا التوسع يُظهر «بريكس» وكأنها مواجهة للتكتلات التي يقودها الغرب، وخاصة مجموعة السبع، وشارك في الاجتماعات نحو عشرين رئيس دولة وقيادات 6 منظمات دولية، وبحضور الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، ما يؤكد أن محاولات الغرب لعزل موسكو فشلت.
لقد ناقش المجتمعون تحسين بنية العلاقات الدولية، وضمان التنمية المستدامة للأمن الغذائي والطاقة، إضافة إلى الوضع المتفاقم في الشرق الأوسط، وشعار القمة كان «تعزيز التعددية من أجل التنمية والأمن العالميين العادلَين».
إن واقع بريكس يشير للحقائق التالية:
1 – تمثل دول «بريكس» بوضعها الحالي نحو 40 في المئة من سكان العالم، ونحو 30 في المئة من الاقتصاد العالمي، أي أصبحت لاعباً مؤثراً في المسائل الاقتصادية الدولية.
2 – «بريكس»، بعد انضمام الدول الجديدة، أصبحت مسؤولة عن نحو 30 في المئة من إنتاج النفط العالمي، ما يمنحها دوراً حاسماً في أمن الطاقة.
3 – تتمتع دول «بريكس» بنفوذ كبير على الأمن الغذائي العالمي من خلال إنتاجها الزراعي، وخاصة الحبوب، ما دعا بوتين إلى اقتراح إنشاء بورصة للحبوب خلال القمة، ما يتيح لـ«بريكس» التأثير وضمان استقرار الإمدادات الغذائية.
4 – اقتصادياً، يتفوق تكتل «بريكس» على «مجموعة السبع» من حيث الناتج المحلي الإجمالي المحسوب على أساس تعادل القوة الشرائية، أي تزايد أهميته كقوة اقتصادية.
هناك اختلاف بوجهات نظر أعضاء «بريكس»؛ روسيا والصين تدعوان إلى موقف أكثر صراحة في معارضة الغرب، يفضّل البعض الآخر، مثل الهند والبرازيل، نهجاً متوازناً يسمح لهم بالتفاعل مع الشرق والغرب على حد سواء، وعززت قمة قازان دور «بريكس» في الدفع نحو نظام عالمي أكثر إنصافاً يتحدى هيمنة الولايات المتحدة.
من النقاشات الرئيسية في قمة «بريكس»، موضوع تقليل الاعتماد على الدولار الأميركي؛ حيث برزت مناقشات حول نظام دفع قائم على «البريكس»، واستخدام متزايد للعملات المحلية، وهذا الأمر أظهر نية المجموعة إيجاد نظام بديل لـ«سويفت» الذي تم استبعاد روسيا منه بسبب العقوبات، وبينما يمكن أن يكون اليوان الصيني ركيزةً، فإن عدم قابلية تحويله بحرية يعقّد مسألة اعتماده على نطاق واسع.
وتتصدر فكرة التخلص من الدولار في المعاملات البينية بين دول التكتل رغبة روسيا والصين في موازنة الهيمنة الغربية فقد بدأت في تحويل «بريكس» نحو أجندة سياسية بشكل أكبر، ما قد يجعله منصة للرؤى غير الغربية، وإن نجاح «بريكس» سيعتمد على القدرة في الحفاظ على التعاون الاقتصادي من دون الوقوع في الانقسامات الداخلية، وبالتالي الحفاظ على هويته الأساسية كمدافع عن عالم متعدد الأقطاب.
حدّدت 3 أولويات للقمة، هي: السياسة، والأمن، والتعاون في الاقتصاد والتمويل والتبادلات الإنسانية والثقافية، وقال مساعد الرئيس الروسي، يوري أوشاكوف، إن قمة قازان ركّزت في نقاشاتها على طرق تعزيز التعدّدية في العالم، ودمج الأعضاء الجُدد، وحلّ النزاعات الإقليمية.
ومن المحاور الرئيسية التي نوقشت، إنشاء منصة مدفوعات رقمية لمجموعة «بريكس»، تُعرف باسم «بريكس بريدج» وقال الكرملين إن التركيز انصبّ على مناقشة آليات تعزيز التنسيق في ظروف متغيّرة عالمياً، وتناول البيان الختامي لقمة مجموعة «بريكس» في قازان، طائفة من القضايا الشؤون الجيوسياسية والمخدرات والذكاء الاصطناعي.
ومع خضوع روسيا لعقوبات غربية ظالمة شديدة بسبب الحرب الأوكرانية، تخشى موسكو تقديم تفاصيل كثيرة حول علاقاتها المالية والتجارية خشية فرض مزيد من العقوبات الأميركية.
كما أشار البيان الختامي إلى أنه لم يتحقق تقدم يذكر فيما يتصل بنظام دفع بديل، ولم يتم ذكر الدولار.
وجاء في البيان: «اتفقنا على مناقشة ودراسة جدوى لإقامة بنية تحتية مستقلة للتسوية والإيداع عبر الحدود، تسمى «بريكس كلير»، وهي مبادرة تستكمل البنية التحتية الحالية للسوق المالية»، وأضاف: «نكلف المعنيين بمواصلة النظر في قضية العملات المحلية وأدوات الدفع والمنصات وتقديم تقرير للرئاسة المقبلة».
دعا البيان إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة والضفة الغربية، وأدان الهجمات الإسرائيلية ضد العمليات الإنسانية والمرافق والأفراد وجاء في البيان: «نقدر المقترحات التي تستهدف التوصل إلى حل سلمي للصراع في أوكرانيا عبر الحوار والدبلوماسية وعبرت «بريكس» عن قلقها بشأن تدهور الوضع والأزمة الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتصعيد غير المسبوق للعنف في قطاع غزة والضفة الغربية نتيجة للهجوم العسكري الإسرائيلي، وقتل وإصابة أعداد كبيرة من المدنيين، والتهجير القسري والتدمير الواسع النطاق للبنية الأساسية المدنية».
ودعا البيان لإمداد قطاع غزة بالمساعدات الإنسانية المستدامة، والاعتراف بالدولة الفلسطينية، والالتزام بحل الدولتين وعاصمتها القدس الشرقية، وأعرب البيان الختامي عن قلقه إزاء الوضع في جنوب لبنان، وطالب بوقف الأعمال العسكرية فورا، مؤكداً ضرورة الحفاظ على سيادة دولة لبنان وسلامة أراضيها.
أرادت روسيا باستضافة هذا الحشد العالمي الأول بعد حرب أوكرانيا، التأكيد على عدم عزلتها، وأرادت روسيا من خلال اختبار قازان عاصمة تتارستان، تسليط الضوء على مدينة رمزية لروسيا التعددية حيث تلتقي أوروبا وآسيا والمسيحية الشرقية والإسلام والعالم السلافي والعالم الناطق بالتركية.
ويهدف ذلك الطموح لأن يكون الاتحاد الروسي في قلب العالم المتعدد الأقطاب الذي يدعو إليه الكرملين.
وعلى الرغم من أن بريكس منظمة اقتصادية الطابع بدأ الطابع السياسي واضحاً مع مناقشة «القضايا الأكثر إلحاحاً» في العالم بما في ذلك «تسوية الصراعات الإقليمية»، وتمكن الكرملين التدليل إلى أنه يمتلك «بديلاً للضغوط الغربية»، وأن العالم المتعدّد الأقطاب بات أمراً واقعاً.
وزير وسفير سورية سابق