الانتخابات الأميركية ونتيجتها بين أسوأ رئيسين
| تحسين حلبي
يؤكد سجل السياسة التي اتبعها رؤساء الولايات المتحدة من كلا الحزبين الجمهوري والديموقراطي منذ الإعلان عن الكيان الإسرائيلي عام 1948 عدم وجود أي فرق أو اختلاف بين هؤلاء الرؤساء تجاه تبني المشروع الصهيوني ودعم إسرائيل، وتشير مراكز الأبحاث الأميركية وخاصة في مجلة «فورين أفيرز» الأميركية أن كل الرؤساء لا يبالون في قراراتهم في السياسة الخارجية بأي أغلبية رأي عام أميركي تسعى لتغيير سياستهم الخارجية تجاه مختلف مواضيعها، ففي الحرب الأميركية على فيتنام 1964- 1975 كانت استطلاعات الرأي لدى الجمهور الأميركي تؤكد وجود أغلبية ترفض استمرار الحرب بل ترفض الخضوع للتجنيد الإلزامي في الجيش الأميركي وزج الشباب في تلك الحرب، وفي النهاية استمرت الحرب في عهد الرئيس الأميركي الديموقراطي ليندون جونسون وفي عهد الرئيس الأميركي الجمهوري ريتشارد نيكسون، والكل يعرف أن جونسون هو الذي وظف إسرائيل لشن عدوان حزيران عام 1967 واستمر نيكسون في تبني هذه الحرب وتقديم الدعم لإسرائيل على غرار جونسون، ولا حاجة للتأكيد أن الكيان الإسرائيلي واستمرار دوره ووظيفته في خدمة المصالح الاستراتيجية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط يشكل أهم قاعدة عسكرية وسياسية في الاستراتيجية الأميركية على غرار فيتنام الجنوبية التي أعدتها الولايات المتحدة كأهم قاعدة عسكرية تخدم مصالحها في منطقة جنوب شرق آسيا ثم أجبرتها المقاومة الفيتنامية على الانسحاب منها دون قيد أو شرط بعد هزيمتها في حرب دامت 11 عاما وبعد مقتل أكثر من خمسين ألفاً من الجنود الأميركيين بموجب الإحصاءات الأميركية، ويصف وزير الخارجية الأميركية ما بين 1977- 1980 سايروس فانس إسرائيل بأنها «أهم حاملة طائرات أميركية غير قابلة للغرق» لأنها على اليابسة، ولكنها قابلة بنظرنا للهزيمة على غرار فيتنام الجنوبية وجنوب إفريقيا وكل بلاد استعمرتها القوى الاستعمارية، ولذلك كان رؤساء الولايات المتحدة لا يختلفون في سياستهم لحماية وتوظيف إسرائيل في المنطقة بسبب قيمتها الاستراتيجية للمصالح الأميركية الإقليمية والعالمية وليس كما يشاع بسبب ضغط وهيمنة اللوبي اليهودي الصهيوني الأميركي على الرؤساء الأميركيين وفرض السياسة التي يحددها هذا اللوبي عليهم، فهذا القول تروجه الصهيونية العالمية وإسرائيل ويتعامل معه الرؤساء في واشنطن بالصمت لأن من مصلحتهم أمام العالم العربي والإسلامي الظهور بمظهر من يزعم أنه يتعرض للضغوط حين يتنكر لما تتطلبه أعدل قضية للعرب والمسلمين بل للعالم كله، وفي الانتخابات الأميركية الجارية الآن في الولايات المتحدة يؤكد هذه الحقيقة الكاتب الأميركي المتخصص بشؤون الدراسات عن الديموقراطية في الولايات المتحدة زاك بوشامب في تحليل نشره في 27 شباط عام 2024 تحت عنوان «بايدين كان سيئاً مع الفلسطينيين وترامب سيكون أسوأ» يستعرض فيه كل ما نفذه الرئيس الأميركي جو بايدن من سياسات لا يجرؤ أي رئيس في العالم على الدفاع عنها حين يرى جيش احتلال يقتل بالسلاح الأميركي وبجميع أنواع وأحجام الذخائر الأميركية أطفالاً ونساء دون توقف لساعة واحدة في قطاع غزة، وهو لا يفعل ذلك كما يزعم البعض لأنه مجبر بسبب هيمنة اللوبي اليهودي الأميركي بل إن كل تصريحاته تؤكد هذا الدور الأميركي المشارك بحرب إبادة الشعب الفلسطيني على مرأى من العالم كله، وهو بنفسه تبجح أمام المنطقة والعالم حين قال إنه قدم لإسرائيل في عهد رئاسته ما لم يقدمه أي رئيس أميركي! وهو يعرف أن ما قدمه كان هدفه إبادة الأطفال والنساء الفلسطينيين وليس الدفاع عن إسرائيل، أما الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب فقد خبر الجميع سياسته الوحشية ضد سورية وفلسطين وإيران والعراق في أعوام 2016 -2020 بل كان أسوأ رئيس أميركي في معاملته للعرب الأصدقاء وغير الأصدقاء، فهو الذي اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل ثم اعترف لإسرائيل بضم الجولان العربي السوري وفرض على دول عربية دفع أكثر من 600 مليار دولار لمصلحة الولايات المتحدة، وفرض على بعضها الآخر تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، وهو الذي منح إسرائيل كل أراضي الضفة الغربية حين أعلن عن خطته لإنشاء دولة فلسطينية في قطاع غزة فقط باسم مشروع «صفقة القرن»، وفي مخططه هذا أراد ترامب إعطاء حكومة إسرائيل فرصة لتوسيع حدودها إلى ما هو أوسع من فلسطين وتهجير أكبر عدد من الفلسطينيين من الضفة الغربية، وعلى غرار جميع رؤساء الولايات المتحدة لم يستطع أحد منهم فرض إرادته الصهيونية على الشعوب العربية ولا على المقاومة الفلسطينية واللبنانية ولا على سورية والعراق وإيران واليمن ولم يتوقف الكفاح المسلح ضد هذا الكيان رغم كل أشكال الدعم الأميركي.