«الوعد الصادق 3» قاب قوسين.. من يواجه من؟
| علي عدنان إبراهيم
من يقرأ تطورات الإقليم والتحركات العسكرية الأميركية الأخيرة وما رافقها من تصريحات وزيارات على أعلى مستوى لكيان الاحتلال يعلم أن الحرب إن قرر الإسرائيلي، بموافقة ودعم غربي الاستمرار بها، لن تتوقف على حدود لبنان وفلسطين بل ستبتعد أكثر من ذلك وقد لا تستقر عند حدود إيران أيضاً، فالتحدي عالمي بالمطلق وما الحرب الروسية الأوكرانية والمضايقات الأميركية للصين فيما يخص جزيرة تايوان سوى وجوه أخرى لهذه الحرب العالمية التي إن وقعت بكل قوتها فلن تنتهي بهدنة أو إعادة ترتيب أوراق بل ستنتهي بغالب ومغلوب، بثقافة تنتصر وتستمر وأخرى تتلاشي وتضمحل.
الوعيد الإيراني المستمر منذ عدة أيام بردٍ قاسٍ على الهجوم الإسرائيلي الأخير الذي طال الأراضي الإيرانية قبل أسبوع يدل على أحد أمرين: إما أن الضربة كانت موجعة واستوجبت الرد من دون الاعتراف الإيراني بالتفاصيل الحقيقية للأضرار التي تسببت بها، وإما أن إيران لا تريد إنهاء هذه المناوشات وترك باب الحرب موارباً لسببين: أولهما استمرار دعم المقاومة في لبنان وغزة معنوياً، وبالتأكيد لأن الحليف الأكبر لا يقف متفرجاً بل يشارك في توجيه اللكمات عن بعد ويمنع بكل قوته حصار المقاومة وجرها إلى اتفاق مجحف يشهد عليه العالم بأسره، وثانيهما الإبقاء على حالة التشنج الإسرائيلية والاستنفار العالي الذي يؤدي إضافة لضربات المقاومة لجيش الاحتلال وشل الحياة الاقتصادية في الداخل المحتل، إلى استنزاف حكومة بنيامين نتنياهو لإحداث آثار تراكمية قد تؤدي في لحظة ما إلى إعلان إسرائيل تعبها وتراجعها لالتقاط أنفاسها ومنع مؤسساتها من الانهيار بعد حرب طويلة غير معتادة عليها.
وعلى الرغم من التهديدات الأميركية المبطنة والعلنية منها التي كان أهمها إن واشنطن لن تكون قادرة على كبح جماح إسرائيل في حال ردها على أي هجوم إيراني متوقع، فإن طهران التي تواصل التوعد بالرد تعلم أن الولايات المتحدة قد لا تقف على الحياد هذه المرة أو تلجم إسرائيل كما في الهجوم السابق، حسبما صرح به مسؤولون أميركيون حينها، بل بدأت بالتخطيط لما هو أبعد من ذلك عن طريق استقدام قاذفات بـ52 الإستراتيجية إلى المنطقة وتعزيز الأسطول الجوي بطائرات جديدة من طراز إف 15 إضافة للسلاح البحري المترافق بعودة حاملة الطائرات الأميركية إبراهام لينكولن التي أنهت مهمتها في المنطقة، حيث قصد المتحدث باسم البنتاغون، الميجور جنرال بات رايدر، إيران تحديداً عند الإعلان عن هذا التحرك بالقول: «إذا استغلت إيران أو شركاؤها أو وكلاؤها هذه اللحظة لاستهداف مواطنين أميركيين أو مصالح أميركية في المنطقة، فإن الولايات المتحدة ستتخذ كل الإجراءات اللازمة للدفاع عن شعبنا»، والحقيقة أن إيران لن تستهدف المصالح الأميركية إلا في حال التدخل الأميركي للدفاع والهجوم نيابة عن إسرائيل في أي معركة قادمة.
تصريح الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان القائل إن «العدو يريد أن يفرض حصاراً علينا ويلحق الضرر باقتصادنا ويجب أن نمنع تحقيق هذا الأمر»، وتأكيده أن إيران تواجه بكل الأحوال حرباً اقتصادية شاملة، دليل واضح على نية إيران ربما توسيع الحرب، خاصة بعد أن اختبرت عملياً حالة قصف الكيان مرتين بتصاعد حربي واضح ضمن عمليتي «الوعد الصادق 1 و2»، ورؤيتها بالعين المجردة إخفاق الكيان في التصدي لصواريخ المستوى الثاني التي تعتبر بعددها البالغ 200 صاروخ عينة صغيرة فيما لو قورنت بما تمتلكه الجمهورية الإسلامية من ترسانة صاروخية لا حصر لها، إضافة للرغبة في اختبار منظومة ثاد الأميركية التي وصلت إسرائيل والتي أصبحت هدفاً مشروعاً ضمن نطاق الحرب الدائرة، فكيف سيكون «الوعد الصادق 3» خاصة بعد تأكيد المسؤولين الإيرانيين أن صواريخه ستحمل رؤوساً قوية وستحدث ضرراً وألماً لا يمكن للكيان حتى أن يتصوره، وعلى هذا الأساس فإن كل ما تسوق له إسرائيل من قدرات رهيبة على ضرب إيران بقوة سيكون قيد الاختبار الحقيقي، وقد يكتشف العالم أن ما تهدد به ليس سوى بروباغندا إعلامية تمكنت من التسويق لها خلال عقود بدعم أميركي، غير أنها لا تملكها في الحقيقة، وهذا ما سيتم اكتشافه ربما عقب الرد الإيراني.
كما أن تأكيد طهران أن الجيش الإيراني سيشترك في الرد المرتقب على إسرائيل لأنه فقد 4 جنود جراء الهجوم الإسرائيلي الأخير، يعطي بعداً آخرَ لهذا العمل العسكري غير المسبوق ربما على مستوى المنطقة، على اعتبار أن الحرس الثوري يعتبر تنظيماً مسلحاً ثورياً يمتلك قدرات ضخمة لكنه لا يقارن عدداً وعتاداً بجيش إيران وقدراته وأيضاً بتحالفاته، فلا بد أن إيران بنت تحالفات دولية على قدر كبير من الأهمية ولا بد أن كلاً من إسرائيل والولايات المتحدة يعلمان ذلك تمام العلم، وقد يكون لمشاركة الجيش في الهجوم وقع آخر يدفع الأعداء لإجراء حسابات مختلفة بطريقة التعامل مع هذا الهجوم لتجنب إقحام قوىً دولية أخرى في الحرب بشكل مباشر.
أما منطق الأمور وما شهده الإقليم خلال عام كامل فيقول إن الولايات المتحدة هي من يحارب بأداة باطشة اسمها إسرائيل، وهدفها تمرير مشاريعها في المنطقة وخلع أنياب كل من يعارضها دولاً كانت أو جهات غير رسمية، وانتقال الولايات المتحدة بهذه الحالة للعمل على الأرض بشكل مباشر ضد إيران من شأنه أن يبعث برسالة تحذيرية للحلفاء أن إحدى قلاع التصدي للمشروع الغربي العابر للقارات تتعرض لمحاولة هزيمتها وإقصائها من المشهد بشكل كلي، والواجب يقتضي دعمها وتعزيز موقفها ولو تطلب الأمر إعلان الالتزام بالدفاع عنها وعن أمنها كما تعلن واشنطن جهاراً، والتزامها بالدفاع عن إسرائيل وأمنها وحمايتها من الزوال.