جلسة أفكار غنية للحكومة … الجلالي: لا يمكن أكل الكعكة والاحتفاظ بها في آنٍ معاً والحكومة كانت تضع العربة قبل الحصان في بعض الحالات
وزير الصناعة لـ«الوطن»: الانسحاب من بعض القطاعات الصناعية قد يكون خطوة مربحة .. وزير التربية لـ«الوطن»: إعداد قانون خاص بالمعلمين ليكونوا خارج قانون العاملين الموحد
| محمد راكان مصطفى – هناء غانم
تركزت جلسة مجلس الوزراء على مناقشة وعرض وإقرار العديد من القضايا المتعلقة بالشقين الاقتصادي والخدمي والواقع التعليمي والصحي.
وأقر مجلس الوزراء خلال جلسته أمس برئاسة محمد غازي الجلالي رئيس المجلس، التعليمات التنفيذية للمرسوم التشريعي رقم 19 لعام 2024 الخاص بحماية الأشخاص ذوي الإعاقة والتي حددت التزامات الجهات العامة تجاه الأشخاص ذوي الإعاقة في مجالات الصحة وإعادة التأهيل والتربية والتعليم العالي والحماية الاجتماعية والرعاية والتأهيل المهني والعمل والبيئة المؤهلة والإعلام والتوعية والاتصال والوصول إلى المعلومات والحياة الثقافية والرياضة والمشاركة في الحياة السياسية والعامة، إضافة إلى الإعفاءات ودور المجلس الوطني لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
ووافق المجلس على مشروع الصك التشريعي الخاص بتسوية أوضاع الموفدين «معيدين- بعثات علمية» وذلك حرصاً على عودة أكبر عدد من الموفدين والاستفادة من خبراتهم في ظل حاجة الجامعات والجهات العامة لخدماتهم وخبراتهم ولتسوية أوضاع هذه الحالات لمن حصل على المؤهل العلمي المطلوب بعد تاريخ 15/3/2011.
واستعرض المجلس مذكرة الأمانة العامة لرئاسة مجلس الوزراء حول واقع العقارات المستأجرة من قبل الجهات العامة، حيث بينت المذكرة أنه تمت معالجة 1175 عقاراً.
وأكد المجلس ضرورة تقديم مقاربات عملية لواقع قطاعي الصحة والتعليم العالي بهدف تحسين واقع الخدمات في القطاع الصحي ورفع نوعية التعليم العالي من ناحية الجودة والاعتمادية والخريجين والاعتراف بالشهادة، مشيراً إلى ضرورة اتخاذ إجراءات للحد من نزيف الكوادر الجامعية من خلال تحسين أوضاعهم.
وقرر المجلس العدول عن قرار مجلس الوزراء رقم 37 لعام 2019 وتعديلاته الناظم لحالات التعاقد بالتراضي والعودة إلى الأصل العام المقرر في نظام العقود المنصوص عليه في القانون رقم 51 لعام 2004 وتوجيه الجهات العامة بالتشدد في اتباع أسلوب التعاقد بالتراضي.
منهجية عمل
من جهته أكد الجلالي أهمية أن يستند العمل الحكومي إلى منهجية عمل واضحة وفاعلة تتضمن تحليل الواقع ووضع الرؤى والأهداف والتدخلات المناسبة لضمان حسن التنفيذ والتقييم.
وأشار الجلالي إلى أنه في «بعض الحالات كانت الحكومة تضع العربة قبل الحصان»، إذ تم على سبيل المثال وضع التعليمات التنفيذية لبرنامج الإصلاح الإداري قبل أن تقوم الحكومة بتحليل وقراءة دور الدولة في النشاط الاقتصادي والاجتماعي خلال المرحلة المقبلة، بحيث يتم توفيق برامج الإصلاح الإداري وتطوير الهياكل التنظيمية والإدارية للحكومة مع متطلبات دور الدولة المأمول.
وفي هذا السياق، ضرب الجلالي مثالاً يتعلق باستبعاد مركز عمل معاون الوزير للشؤون القانونية والإدارية لدى الوزارات، معتبراً أن «مثل هذا التوجه يجب أن يكون مسبوقاً بتحليل يتناول ما تريده الحكومة من مركز عمل معاون الوزير، فهل يمكن اعتبار معاون الوزير مديراً من درجة ممتازة بمزايا إضافية ويمكن الاستغناء عنه، أم يجب اعتبار معاون الوزير ذاكرة وظيفية وفنية للوزارة يجب الحفاظ عليها، وعلى وجه الخصوص في البعدين الإداري والقانوني».
واستحضر الجلالي حقيقة أنه «لا يمكن أكل الكعكة والاحتفاظ بها في أن معاً»، وهذا ما يعني فعلياً ضرورة تحديد الخيارات وما يرافقها من سلبيات وإيجابيات بكل جرأة وشفافية، إذ لا يمكن على سبيل المثال تقديم الخدمات العامة مجاناً وإلى الأبد، مع ضمان توفر الموارد المالية اللا محدودة لتمويل هذه الخدمات، موضحاً أن استمرار تقديم الخدمات يستوجب أن تقترن بأسعار وعوائد مدروسة تضمن التوازن بين تقديم الخدمة والقدرة على تمويلها.
تراجع الجهات العامة
ولفت رئيس مجلس الوزراء إلى أن تراجع الجهات العامة وتأخرها في المبادرة إلى تنظيم وإدارة بعض المرافق والخدمات سيترك المجال للسوق والقطاع الخاص للقيام بهذا الدور وربما بشكل غير مضبوط، فعلى سبيل المثال ساهم تراخي وتكاسل وزارة الكهرباء في إدارة ملف توزيع الكهرباء بشكل واقعي وفاعل في بروز ظاهرة الأمبيرات، وكان من الأجدى بالوزارة أن تبادر إلى طرح حلول إبداعية من قبيل تحديد منطقة جغرافية معينة ثم تقوم بتعهيد توزيع الكهرباء فيها إلى القطاع الخاص-وفق ما تنص عليه التشريعات الناظمة لعملها- ليتولى عملية التوزيع بما يضمن تجاوز الحكومة مشكلة التعدي على الشبكة واستجرار الكهرباء بطريقة غير مشروعة، مع توزيع الطاقات المتوفرة بأسعار مناسبة.
من جهتها، أبدت وزيرة التنمية الإدارية سلام سفاف وجهة نظر مغايرة لما طرحه رئيس مجلس الوزراء، معتبرة أن البرامج التنفيذية لمشروع الإصلاح الإداري كانت تهدف إلى ترشيق الهيكلية الإدارية للحكومة وزيادة كفاءتها، ولم يتم التطرق وقتها إلى علاقة ذلك مع دور الدولة الذي يجب أن يكون له برنامج عمل حكومي آخر يحظى بما يستحقه من وقت واهتمام.
برامج تطوير
بينما أيّد وزير الصناعة محمد سامر الخليل رؤية رئيس مجلس الوزراء حول ضرورة الانطلاق من تحديد دور الدولة في القطاع العام والسعي لاحقاً لوضع برامج تطوير هذا القطاع، ورأى أن هناك خسارة كبيرة جداً في وزارة الصناعة، وهناك أيضاً معادلة صعبة وخطيرة تتمثل بحقيقة خسارة عدد كبير من الشركات والمؤسسات والمعامل التابعة لوزارة الصناعة، وبالتالي خسارة الوزارة وخسارة الخزينة العامة للدولة، مقابل وجود عدد محدود من الرابحين الانتهازيين والفاسدين.
وأكد وزير الصناعة أن الوزارة «ستقوم بتغيير هذه المعادلة بشكل عاجل غير آجل، وبكل هدوء وأناة ووفق دراسات جدوى اقتصادية لا تستبعد أي خيار كان، فالانسحاب من بعض القطاعات الصناعية قد يكون خطوة إيجابية ومربحة بالنسبة للقطاع العام، ولن تتردد الوزارة بالمبادرة لاعتمادها في سياق التحول من دور التشغيل إلى دور التنظيم المدروس والمخطط».
وزير الصناعة الخليل عن خيار الانسحاب من بعض القطاعات الصناعية قد يكون خطوة إيجابية ومربحة بالنسبة للقطاع العام قال في تصريح لـ«الوطن»: تراجع قطاع الصناعة وتراجعت مساهمته بالتركيب الهيكلي للناتج المحلي بالأسعار الثابتة، كما ظل القطاع العام الصناعي ومؤسساته وشركاته يفرض تحديات كبيرة على الاقتصاد السوري كله، نتيجة استمرار أغلبية مؤسساته وشركاته بالعمل بإدارات تقليدية، وفي مجالات غير قادرة على المنافسة، ما أدى إلى استنزاف المال العام في مشاريع غير ربحية أو بأرباح بسيطة جداً قياساً بتكاليفها، وإثقال كاهل الدولة بأعباء إضافية بدلاً من دعم مواردها.
وأضاف: مع أن الحرب الظالمة على سورية أدت إلى خروج نسبة كبيرة من المنشآت الصناعية عن العمل إلا أن ذلك لا ينفي الارتفاع الواضح في تكاليف العمليات التصنيعية لدى جميع مؤسسات وشركات القطاع العام نتيجة لمجموعة من العوامل أبرزها عدم وجود سياسة صناعية أو رؤية واضحة، والتقادم التكنولوجي لوسائل الإنتاج في الشركات والمعامل والحاجة للاستبدال والتجديد، وارتفاع تكاليف التمويل، إضافة إلى الفساد وغياب النزاهة والإدارات المترهلة، وفائض إجمالي في العمالة مع نقص في العمالة النوعية، وعدم تطبيق مبادئ الحوكمة والشفافية في العمل الإداري والمالي، إلى جانب عدم وجود أنظمة تكاليف دقيقة.
واعتبر التعامل مع موضوع السياسات الصناعية خصوصية عالية تميزه عن غيره من الموضوعات، إذ إنه يثير إشكالية تتعلق بالدور المنوط بالدولة في النشاط الاقتصادي، لافتاً إلى وجود توافق واسع بين المختصين في العالم على أن أسس الاقتصاد الحديث وضمان الاستدامة في النمو تتطلب إقامة نماذج اقتصادية بلعب الدور المحوري فيها القطاع الخاص، مع تقليص الدور الحكومي بشكل مدروس، وذلك لاعتبارات الكفاءة والفعالية وضمان الاستخدام الأمثل للموارد، وبشكل خاص في ظل المحدودية الكبيرة للموارد.
خطة عمل
إلى ذلك استعرض المجلس رؤية وزارة التربية ومقترحاتها لتنفيذ مضمون الكلمة التوجيهية للسيد رئيس الجمهورية أثناء ترؤسه اجتماع وزارة المرسوم 232 لعام 2024، حيث أوضح وزير التربية محمد عامر المارديني أن الوزارة تقوم بوضع خطة عملها في ضوء الإمكانات المتاحة، وتبنى عليها أساسيات العمل في تطوير العملية التربوية والتعليمية القابلة للتنفيذ والمتابعة والتقييم، من خلال دراسة الواقع وما هو مطلوب لتحسينه وتطويره في ضوء مراعاة الظروف والإمكانات المتاحة، كما أنها تقوم بإعادة توزيع مواردها البشرية وفق ما يتطلبه العمل التربوي والتعليمي ما بين الريف والمدينة.
وحول ما استعرضه المجلس بخصوص رؤية وزارة التربية ومقترحاتها أكد وزير التربية الدكتور محمد عامر المارديني في تصريح لـ«الوطن»: أن الوزارة تقوم بتأطير العملية التربوية والتعليمية ضمن الإمكانات المتاحة والتوجه إلى تقديم الخدمات بشكل إلكتروني، ولفت إلى أن مركز خدمة المواطن الخاص بوزارة التربية يعتبر من أهم المراكز الموجودة حالياً على مستوى الوزارات، كما يتم العمل على التحول الرقمي وأتمتة بعض المواد الامتحانية للشهادة الثانوية العامة وتحديث مخبر افتراضي ثلاثي الأبعاد وإحداث منصات إلكترونية وكتاب إلكتروني وتفاعلي.
وأشار إلى إعداد منصة إلكترونية للمعلمين لتقديم طلباتهم المتعلقة بتحديد مركز العمل أو النقل وغيرها بدلاً من سفرهم بين المحافظات، لافتاً إلى وجود جهود كبيرة لترميم المدارس بالتعاون مع وزارة الإدارة المحلية والمنظمات.. مع التأكيد على تأمين كل الكتب المدرسية.
وذكر الوزير أنه يتم العمل على تطوير التشريعات الخاصة بوزارة التربية إضافة إلى إعداد قانون خاص بالمعلمين ليكون المعلم خارج قانون العاملين الموحد، باعتبار أن المعلم صاحب رسالة وليس صاحب مهنة، كما أكد سيد الوطن وبالتالي لابد من وجود قانون خاص به يضمن له متطلباته ويُراعى فيه الأحكام الخاصة بالمعلم لجهة ترقيته ومزاياه وحصانته ومكافآته وتعويضاته وغيرها بحيث يكون للمعلمين مزايا خاصة بهم.
إضافة لذلك هناك خطة عمل تتعلق بمتطلبات مشروع الإصلاح الإداري في ضوء العمل التربوي والتعليمي وصولاً إلى أنه تم إصدار تعميم لقبول كل الطلاب الوافدين من لبنان ضمن المدارس وتأمين مراكز لهم.