نتنياهو واحتراق «صورة النصر» في المطلة
| منذر عيد
في رهان على ما ستعلنه الانتخابات الأميركية عن اسم الرئيس الجديد، يناور رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في جملة من المفردات والتصريحات، بما يبقي عدوانه على قطاع غزة ولبنان قائماً إلى حين اتضاح اسم ساكن البيت الأبيض، للحصول على ضوء أخضر للذهاب إلى حرب إقليمية، يستطيع من خلالها تغيير خريطة المنطقة، حسبما يمني النفس، ويجتر مقولة إعادة المستوطنين إلى الشمال، ودفع حزب الله إلى شمال الليطاني.
بين القول والفعل، وما تسجله المقاومة اللبنانية من فعل في أرض الميدان، ثمة العديد من الحقائق الضائعة في تصريحات نتنياهو، وهو يتعمد في ذلك، حقائق كانت وسائل الإعلام الإسرائيلية كفيلة بتصويبها، عبر سلسلة من التحليلات، وما تتضمنه من أسئلة وتباين ما يخفيه جيش الاحتلال من حقائق في أرض المعركة في جنوب لبنان.
نتنياهو الذي يزعم بأن جيشه الذي لا يقهر، ها هو يتساقط بالعشرات على جبهتي غزة والجنوب اللبناني، ويقرر الانسحاب من على تخوم القرى الجنوبية من دون أن يتمكن من التثبيت فيها ولو لبضع ساعات متواصلة، كل ذلك مع سلسلة من التصريحات والاعترافات لقادة الكيان ووسائل إعلامه ومنها «يديعوت أحرونوت»، بأن ليس لدى الكيان ما يكفي من الفرق العسكرية للبقاء في غزة ولبنان، ولن تجد لبنانياً واحداً مستعداً لكي يتجند في «جيش لبنان الجنوبي» مرة أُخرى، وسيقع كل العبء على قوات الاحتياط، وليس لدى إسرائيل القدرة على تحمُّل هذا العبء، هذه الأحلام واهية»، حسب ما أكدته الصحيفة الإسرائيلية، ليدعم قائد الفيلق الشمالي الإسرائيلي سابقاً، اللواء احتياط نوعام تيفون ما سبق بالقول: «هناك ضرورة للتوصل إلى تسوية مع لبنان. إنّ حزب الله أراكم الثقة بالنفس، ولديه القدرة على ضرب إسرائيل وإلحاق المزيد من الإصابات في صفوف الجيش الإسرائيلي».
مأزق نتنياهو الذي عجز عن البقاء في مستوطنات الشمال لساعات عقب استهداف حزب الله «المطلة» قبيل وصوله إليها بربع ساعة، ومحاولته التقاط «صورة نصر» من هناك، تفاقم مع بدء حزب الله رسم ملامح جديدة مستقبلية للواقع من قادمات الأيام في الكيان الصهيوني، ملامح حملت عنوان تعطيل الحياة في أغلبية مناطق الكيان من الشمال إلى الوسط، وهو ما بدا جلياً من خلال قرار قادة الكيان بتوسيع القيود على التجمعات في الجليل الأسفل وجنوب الجولان، وكذا تعطيل الدراسة في عكا، ليضاف ذاك القرار إلى قرارات سابقة بتعليق الدراسة ونقل عمل المستشفيات في حيفا إلى الملاجئ تبعاً للوضع الأمني.
نقلة نوعية بدأها حزب الله مؤخراً من خلال استخدام مسيّرات وصواريخ تطول أماكن إسرائيلية حسّاسة، وذلك عقب نجاحه في التصدي للتوغلات العسكرية الصهيونية على الحدود الجنوبية وتكبيده خسائر كبيرة، حيث أعلن الحزب قبل أيام أن أكثر من 95 قتلوا وأصيب 900 آخرين من ضباط وجنود إسرائيليين، مضيفاً: إن عناصر المقاومة الإسلامية دمروا 42 دبابة «ميركافا» و4 جرافات عسكرية، وآليّتي «هامر» و«مدرعة» وناقلة جند ، وأفاد بأنه أسقط 3 مسيرات من طراز «هرمز 450» ومسيّرتين من طراز «هرمز 900»، كل ذلك دفع بجيش الاحتلال الإسرائيلي إلى وقف محاولات التقدم نحو أحياء بلدة الخيام والانسحاب من قرى أخرى.
قرار الحزب الانتقال إلى مرحلة جديدة يؤكد تعافيه بعد النكسات التي أصابته في الأسابيع الماضية، وبأن الخطط المستقبلية لحزب الله في الميدان وتهجير مستوطني الشمال، وإجبار المستوطنين في الوسط وتل أبيب إلى الملاجئ، ستجبر نتنياهو إلى الرضوخ صاغراً إلى حل سياسي، وفق رؤية وشروط الحزب.
إذا كان البعض يتهمنا بأن ما نقوم بسرده وتحليله، ليس سوى أحلام، وبأن ما نقوله محاباة للمقاومة، فإننا نؤكد على حبنا ودعمنا للحق وما تمثله المقاومة من قيم وأخلاق في نصرة المستضعفين والحق أينما كان، ونضيف ماذا بشأن ما أعلنته هيئة البثّ الإسرائيليّة، أنّ «الجيش الإسرائيلي يقترب من نهاية المرحلة الأولى من العمليّة البرّيّة في جنوب لبنان، بعد شهر من بدئها»؟ مشيرةً إلى أنّ «العمليّة البرّيّة حقّقت إنجازات مهمّة، ونتساءل ما الذي حققته تلك العملية بخلاف التقاط جنود الاحتلال صوراً وبشكل سريع على تخوم بعض القرى الحدودية، والانسحاب تالياً؟
من المؤكد أن العملية البرية الإسرائيلية في جنوب لبنان فشلت فشلاً ذريعاً، ودليل ما ندعي أن عمليات حزب الله لم تتراجع بل إن الحزب صعد وكثف كُمَّاً ونوعاً من استهدافاته عبر إطلاق الصواريخ والمسيّرات التي طالت أهدافاً حساسة وللمرة الأولى في عمق الكيان، هذا من جانب، ومن جانب آخر وفي دليل على فشل الاحتلال في ردع الحزب، ما أعلن عنه مؤخراً بنشر جنوده على طول الحدود اللبنانيّة لمراقبة ورصد المسيّرات التّابعة للمقاومة للإبلاغ عن اختراقها لهذه الحدود بالعين المجردة، تأكيد لفشل كل أجهزة الّصد الإلكترونية الحربية المتطوّرة التي يتفاخر بها، وعدم القدرة على إسقاط مسيرات الحزب.
مع إصرار نتنياهو ولأسباب شخصية على المضي في عدوانه على لبنان وقطاع غزة، فإن ملامح هزيمة الكيان باتت تتضح شيئاً فشيئاً، وما عليه إلا انتظار ما تحضره المقاومة، لتثبيت قواعد جديدة من المواجهة والاشتباك، وللساعات القادمة حديث خاص.