قضايا وآراء

الانقلاب الداخلي في حكومة الكيان

| تحسين حلبي

ربما كان الوصف الطبيعي لما جرى أول من أمس، في الخامس من تشرين الثاني الجاري، في حكومة الائتلاف الإسرائيلية التي يرأسها بنيامين نتنياهو، هو وقوع انقلاب داخل تلك الحكومة حين أقال نتنياهو وزير الدفاع يوآف غالانت، في ظل وضع ينشغل فيه كل الكيان من جيش وحكومة ومستوطنين بجدول عمل حربي شامل مكثف على عدة جبهات لم تستطع كل قدرات الكيان العسكرية وقدرة حليفه الأميركي والغربي من تخليصه منه طوال 13 شهراً، وعلى عتبة تهديد إيراني بالرد العسكري بين لحظة وأخرى على آخر هجوم مباشر شنه الكيان على إيران، ففي ظل جدول عمل كهذا وفي مجرى العمليات الحربية الإرهابية التي يشنها جيش الكيان ضد الشمال وقطاع غزة، وحسابات خوفه من الرد الإيراني، قام نتنياهو بإقالة أهم صاحب قرار عسكري سياسي في هذه الحرب، ونفذ بانقلاب سياسي قبل أن تتزايد احتمالات وقوع أزمة داخل القيادة العسكرية أو حركة احتجاج داخل الجيش ضد قراراته، بعد أن رأى نتنياهو أن الجيش يميل إلى موقف غالانت في ثلاثة مواضيع إستراتيجية مهمة، الأول أن غالانت أبدى رأياً يفضل إجراء عملية تبادل للإفراج عن الأسراى الإسرائيليين مقابل وقف العمليات العسكرية بموجب مبادرة الرئيس الأميركي جو بايدين التي تجاوبت معها حركة حماس ضمن شروط وضعتها، والثاني هو موقف غالانت المعلن بعدم موافقته على إعفاء الشبان التابعين للمتدينين السلفيين من الخدمة الإلزامية، وبرفضه التصويت على استمرار إعفائهم في جلسة البرلمان الكنيست المعدة في 6 تشرين الثاني الجاري، والثالث هو رغبته في تشكيل لجنة تحقق بما جرى في السابع من تشرين الاول العام الماضي أثناء وبعد عملية طوفان الأقصى.

جاء توقيت إقالة غالانت في ظل أزمات خانقة على نتنياهو، منها الكشف عن قيام سكرتير مكتب رئيس الحكومة بتسريب معلومات للمعارضة عن خطة نتنياهو لمنع عملية تبادل أسرى بشكل متعمد لكي يستمر بالحرب من دون توقف ومن دون الاهتمام بعائلات الأسرى، وجرى اعتقال سكرتير مكتب رئيس الحكومة والتحقيق معه بموافقة نتنياهو الذي أصبح متهماً بعرقلة إعادة الأسرى الإسرائيليين، ويكشف بن كاسبيت في صحيفة «معاريف» في السادس من تشرين الثاني الجاري أن فضيحة أخرى ظهرت قبل أيام تتهم موظفين في مكتب نتنياهو بإتلاف مذكرات وتقارير تتعلق بما جرى في السابع من تشرين الأول كانوا قد حصلوا عليها بشكل سري لإتلافها.

ويذكر أن عائلات الأسرى وأنصارهم يعرفون أن غالانت يرغب بإجراء عملية تبادل بموجب مبادرة بايدين وأن نتنياهو يعرقل كل شيء، ويؤكد بن كاسبيت أن توقيت إقالة غالانت جاء سريعاً قبل أن تتعرض حكومة نتنياهو لأخطر أزمة برلمانية تهدد بقاءها عند التصويت على موضوع إعفاء أعضاء حزب «يهدوت التوراة» السلفي اليهودي في 6 تشرين الثاني الجاري من الخدمة في الجيش واحتمال انضمام عدد من أعضاء حزب نتنياهو، من الليكود، إلى موقف وزير الدفاع غالانت الذي أعلن عن رفضه له في أي تصويت برلماني، ويذكر أن غالانت كان قد ألقى خطاباً في الخامس من تشرين الثاني الجاري في ثكنة لقوات الجيش في الشمال، ووعد جنوده بأن يفرض على كل الشبان الإسرائيليين الخدمة العسكرية، ولن يوافق على أن يبقوا وحدهم مجندين لهذه المهام، ولم يتحمل نتنياهو هذا التصريح أمام أفراد قوات الجيش، وهو يعرف أنهم ناقمون غاضبون من منح إسرائيليين آخرين بالإعفاء من الخدمة، وأشار غالانت في خطابه إلى النقص الحاد في القوة البشرية في الجيش بسبب حربه على عدة جبهات ووعد بتصحيح هذا النقص بتجنيد أنصار الحاريديم، علماً أن الحاخامات الحاريديم يرفضون تلبية طلب غالانت ويصرون على موقفهم التقليدي والتاريخي بعدم تجنيد الشباب الذين يدرسون التوراة لتخريج حاخامات ويدعمون حكومة وسياسة نتنياهو مقابل تبنيه لقرار الإعفاء.

عائلات الأسرى وأنصارها شكلت قبل يومين لجنة أطلقت عليها اسم «لجنة أوكتوبر»، وأعلنت أنها تطالب بلجنة تحقيق حول ما جرى في السابع من تشرين الأول العام الماضي وأكدت على طلبها بمحاكمة نتنياهو، وذكرت الصحف ووسائل الإعلام الإسرائيلية أمس أن آلافاً من المستوطنين وأنصار عائلات الأسرى الإسرائيليين قاموا ليلة السادس من تشرين الثاني الجاري بتظاهرات حاشدة في تل أبيب وقرب مقرات الحكومة والجيش، وأحرقوا الإطارات ووضعوا أحجار البناء لسد الطرق تنديداً بنتنياهو وتأييداً لغالانت ورددوا: «نتنياهو أنت خائن»، واضطرت السطات الأمنية إلى اعتقال أكثر من خمسين من قادة هذه التظاهرات ولا شك أن هذه البداية غير مسبوقة في تاريخ الكيان وحكومته وحروبه ولن تمر من دون أن يدفع الكيان ثمناً باهظاً فيها وفي مجالات كثيرة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن