دلائل على استعانة الجيش الإسرائيلي بالمرتزقة
| محمد نادر العمري
الخسائر غير الاعتيادية التي تكبدها الكيان خلال الفترة الماضية اضطرت الحكومة الإسرائيلية للكشف عن الحد الأدنى من تلك الخسائر في قواتها البشرية من مختلف صنوف القوات المعتدية على قطاع غزة ولبنان.
لقد ناهزت من حيث الإصابات فقط، اثني عشر ألف جندي وضابط من الجيش وقوات الأمن، انضموا إلى دائرة إعادة التأهيل التابعة لوزارة الأمن، منذ بدء عملية «طوفان الأقصى» في السابع من تشرين الأول 2023، بينهم 910 جرحى أصيبوا في العملية التي وصفت «بالمناورة البرية المحدودة» التي بدأتها تل أبيب على الحدود مع لبنان مطلع أيلول الماضي، وبينهم 140 من هؤلاء باتوا معوقين بشكل كامل وفق البيانات الرسمية، إضافة إلى مقتل أكثر من 760 ضابطاً وجندياً.
وسط هذه الصورة، بدأت إشارات الاستفهام تتكاثر في طروحاتها عن كيفية استمرار استقدام المزيد من المقاتلين لهذه القوات وتدعيمها، في ظل رفض الحاخامية وأتباع التيارات الدينية وفي مقدمتهم «الحريديم» أداء الخدمة الإلزامية ورفضهم قرار التجنيد الإلزامي، وزيادة نسبة المتسربين من الخدمة لما يزيد على 17 بالمئة، وزيادة نسبة الهجرة المعاكسة لأعلى معدل لها منذ عام 1948 لتصل إلى مليون شخص خلال عام، ورفض العديد من ضباط وجنود الاحتياط العودة لساحات القتال نتيجة ما شهدوه من عمليات بطولية وفدائية في قطاع غزة وجنوب لبنان الذي بات يشكل حالة رعب حقيقية لكل جندي صهيوني في الوحدات القتالية الخمس التي تموضعت على جبهة الشمال.
هذا الواقع المتمثل في نقص العنصر البشري المقاتل لقوات الاحتلال، دفع حكومة بنيامين نتنياهو، إلى البحث عن مجموعة من الحلول والبدائل لكي تتمكن بواسطتها من سد ثغرة الحاجة البشرية، وخاصة أن إقرار «قانون تجنيد الحريديم» الذي تمت الموافقة عليه منتصف تموز الماضي، لم يستطع سد هذه الثغرة في ظل امتناع إتباع هذه الطائفة بالالتزام بالخدمة الإلزامية، وبالتالي بات لزاماً على هذه الحكومة التي تجاهر ليلاً نهاراً باستمرار العدوان على قطاع غزة ولبنان، أن تبحث عن سبل سريعة لتعويض النقص البشري، الأمر الذي جعلها تتبنى بشكل منفرد أو بالتعاون مع أجهزة استخبارات غربية جملة من السبل والطرق، للاستعانة بمقاتلين مرتزقة بما في ذلك مرتزقة «يهود» وفق الشكل الآتي:
أولاً- على مدى أكثر من سبعة عقود حرصت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ومجالس المستوطنات والكيبوتسات، على عدم استجلاب اليهود الأفارقة لأراضي فلسطين المحتلة، بحجة أن هؤلاء، أي «يهود الفلاشا»، أقل مرتبة ومكانة من اليهود الغربيين «الأشكناز» واليهود الشرقيين «السفارديم»، وهذا السبب الذي يفسر قلة عدد من يحمل الجنسية الإسرائيلية منهم، فحسب البيانات الرسمية لا يتجاوز عددهم 80 ألفاً، منهم 20 ألفاً ولدوا داخل الكيان، إلا أن الحاجة للعنصر البشري المقاتل في جيش الاحتلال، دفع وزارة الأمن الصهيونية لاتخاذ قرارات «العفو» للكثير من هؤلاء الموجودين في سجون الاحتلال بسبب محاولتهم الدخول بشكل غير نظامي للأراضي المحتلة أو مخالفتهم فترة الزيارة الدينية أو حتى الإسراع بدراسة طلبات حصولهم على الجنسية الإسرائيلية، مقابل موافقتهم على القتال في الصفوف الأولى من قوات الاحتلال على جبهتي قطاع غزة وجنوب لبنان، إضافة إلى ذلك ونتيجة علاقات الكيان مع إثيوبيا ووجود منظمة صهيونية فاعلة تحمل اسم «الحارث» تقوم بتجنيد اليهود الإثيوبيين بإشراف «الموساد» وإرسالهم لفلسطين المحتلة بعد أن يتم تدريبهم وتجهيزهم في إثيوبيا، مقابل تقديم وعود بمنحهم الجنسية والسماح بالبقاء داخل الكيان وتأمين فرص عمل لهم في مرحلة ما بعد الحرب.
ثانياً- التعاون مع الاستخبارات الألمانية على مدى الأشهر السبعة السابقة، لتجنيد لاجئين من جنسيات مختلفة، أفغان وليبيين وسوريين للانضمام لقوات المرتزقة التي يتم إرسالها إلى فلسطين المحتلة للقتال ضمن قوات الاحتلال، مقابل رواتب شهرية طائلة تتراوح بين 4 إلى 5 آلاف يورو شهرياً، ومنحهم الجنسية الألمانية دون الخضوع لشروط التجنيس المتبعة، وهو ما يفسر تجنيس 4 آلاف مهاجر خلال أيلول وتشرين الأول، وفي هذا الإطار يلاحظ أن الموقف الألماني الذي اتسم بعد عام 2000 بأداء دور الوساطة ولاسيما في صفقات التبادل ومعالجة ملف الأسرى والمعتقلين بين الكيان من جهة والمقاومة اللبنانية والفلسطينية من جهة أخرى، كان أبرزها صفقات تبادل الأسرى بعد عدوان تموز 2006، وعدوان غزة 2008، وصفقة شاليط 2011، تحول اليوم لموقف الداعم بشكل علني وفاضح للكيان وأهدافه العدوانية، انطلاقاً من الالتزام الذي تدعيه برلين تجاه الكيان للتكفير عما يسمى «المحرقة النازية»، ولرغبة ألمانيا في توسيع دورها ونفوذها بمنطقة الشرق الأوسط بعد تراجع كل من النفوذين البريطاني والفرنسي، لذلك بات هذا الدور والموقف الداعم بشكل مطلق للكيان يتخذ أشكالاً عدة، بما في ذلك الأمني والعسكري والمتمثل باستمرار إرسال الأسلحة الألمانية للكيان والمساهمة بتجنيد المرتزقة والزج بهم لتدعيم مقاتلي ما يعرف بالجيش الإسرائيلي، والمجال السياسي الذي عبّرت عنه وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك أثناء زيارتها مؤخراً للبنان وبعد ذلك في كلمتها داخل البرلمان الألماني «البوندستاغ» نهاية أيلول الماضي، بالقول: «إن ألمانيا تعتبر أمن إسرائيل امتداداً لأمنها القومي، لذلك فإن ألمانيا ملتزمة بحق إسرائيل الدفاع عن نفسها وتقديم كل المساعدات الممكنة لذلك»، إضافة لذلك الدور اللوجستي والاستخباراتي الذي باتت تؤديه السفن والغواصات الألمانية المتموضعة في المتوسط، والعاملة ضمن قوات «يونيفيل»، بمساعدة الكيان في عدوانه على لبنان، ولعل أبرز الأمثلة على ذلك: إعلان وزارة الدفاع الألمانية في 17 الشهر الماضي، قيام إحدى السفن الحربية الألمانية بإسقاط طائرة مسيّرة ادعت أنها «مجهولة الهوية» مقابل شواطئ لبنان، إضافة للمساعدة اللوجستية التي قُدمت لقوات «المارينز» الإسرائيلية أثناء عملية اختطاف المواطن اللبناني في منطقة البترون الذي يعمل قبطاناً بحرياً وادعت قوات الاحتلال أنه من قيادات حزب الله، إضافة إلى ذلك الدور التجسسي الذي أدته وتؤديه هذه السفن الناشطة في المتوسط عن مراكز وجود قيادات المقاومة اللبنانية ونقاط إطلاق الصواريخ والمساهمة في التصدي للهجومين الإيرانيين السابقين.
ثالثاً- قيام أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية وفي مقدمتها «الشاباك» و«الموساد» للتواصل مع من تبقى من قيادات وعناصر ما عرف بـ«جيش لحد» سابقاً والاستعانة بهم كمرشدين يستدلون من خلالهم على أحياء القرى الحدودية وطرقاتها أثناء توغلهم البري.
رابعاً- نشاط الاستخبارات الإسرائيلية بالتعاون مع الأجهزة الأوروبية وبعض المنظمات التي تتخذ طابعاً إنسانياً ودينياً إلى جانب أهم وأبرز شركات تجنيد المرتزقة العالمية، لتجنيد مرتزقة أوروبيين يقاتلون ضمن صفوف قوات الاحتلال، وفي مقدمتهم شركة «بلاك ووتر» الأميركية التي يتزعمها الصهيوني أريك فرينس، وهذا الأمر ليس بجديد بل يعود لنهاية عام 2023، ولكنه تزايد بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، ولعل ما جاء في صحيفة «الموندو» الإسبانية التي نشرت نهاية تشرين الثاني العام الماضي، مقابلة مع أحد المرتزقة المحترفين المقيمين داخل الكيان، ويدعى فيديو دياز فلوريس البالغ من العمر 28 عاماً، ويحمل الجنسية الإسبانية، خير دليل على ذلك، حينما أقر أنه قاتل محترف تنقل بين عدة جبهات إلى أن عرضت عليه شركة «بلاك ووتر» الانتقال لفلسطين المحتلة مقابل مبلغ يناهز 3000 آلاف يورو أسبوعياً، ولعل الكيان الذي حاول التكتم عن ذلك عندما استهدفت المقاومة في 31 الشهر الماضي مستوطنة «المطلة» بصلية صواريخ ما أدى لوقوع خمسة قتلى هم عمال بينهم أربعة من جنسيات أجنبية، فما الذي يفعله العمال في خطوط الجبهات الأمامية؟
الكيان وحكومته وجيشه الذي تزعم أنه الجيش الذي لا يقهر، ها هو يتساقط بالعشرات على جبهتي غزة والجنوب، وها هو الجيش الذي تشكل من عصابات الإجرام والإرهاب في أربعينيات القرن الماضي، يحن لتاريخه ويعود لجذوره التي انبثق منها وعاد مجدداً لشراء المرتزقة في حربه العاجزة أمام عقيدة وكرامة رجال اللـه في الميدان.
كاتب سوري