بين الرسالة التربوية والعلمية … أمير الشعراء من أوائل من تنبهوا للطفل وأدبه
| مايا سلامي
يعد أدب الأطفال واحداً من أهم فروع الأدب نظراً إلى حساسية الفئة الموجه إليها والتي تعتبر نواة بناء كل مجتمع وحضارة، فكان من الضروري أن تنشأ على القيم والمعرفة والعلم والأخلاق السامية التي حملها بألوانه المختلفة من شعر ومسرح وقصة.
ويقدم أدب الأطفال رسائله التربوية والعلمية بقالب لا يخلو من روح الفكاهة والمرح والتسلية التي تسهم في توسيع إدراك وخيال الطفل وتهذيب وجدانه، كما تعلمه الكثير من المهارات كحسن الإصغاء وتركيز الانتباه بالإضافة إلى تقوية ذاكرته اللغوية وإغنائها بالعديد من المرادفات والكلمات.
أن إدراك دوره وأهميته الكبيرين جعل العديد من أدباء العالم الغربي والعربي خلال القرون الماضية وحتى اليوم يولونه عناية خاصة، فظهر العديد من الكتاب المتخصصين بأدب الأطفال الذين حققت مؤلفاتهم شهرة واسعة وترجمت إلى لغات مختلفة وتناقلتها الألسن من جيل إلى آخر، حتى غدا صنفاً لا يقل شأناً عن أقرانه الأدبية الأخرى.
نشأته عالمياً
بدأ أدب الأطفال في العصر الحديث في فرنسا في القرن السابع عشر، وكان الكاتب لا يذكر اسمه خشية الحط من قدره بين الناس إلى أن جاء الشاعر الفرنسي تشارلز بيرو وكتب قصصاً للأطفال بعنوان «حكايات أمي الإوزة»، وكتب له اسماً مستعاراً لكنه لاحظ الإقبال الشديد على قصصه فألف مجموعة أخرى بعنوان «أقاصيص وحكايات الماضي» وكتب اسمه واضحاً. وبعد تشارلز بيرو جاءت محاولات كتابية للأطفال من سيدة فرنسية اسمها لبرتس ومن قصصها «مخزن الأطفال». وعرفت هذه المرحلة حدثاً أدبياً مهماً هو ترجمة أنطوان جالان لحكايات «ألف ليلة وليلة» التي أصبحت في ما بعد معلماً بارزاً في الإبداع الأدبي، وأثر في كثيرٍ ممَّا كُتِبَ في أدب الطفل في القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين. ثم أخذت الكتابة في أدب الطفل منحى أكثر نضجًا مع ظهور كتاب «إميل» لجان جاك روسو، الذي كان أول مَن درس الطفل كإنسان حر.
في العالم العربي
ظهرت أولى بوادر الكتابة في أدب في الأطفال على يد أمير الشعراء أحمد شوقي، الذي تنبه مبكراً إلى حاجة الطفل العربي إلى هذا الضرب من الأدب بعد اطلاعه أثناء دراسته في فرنسا على تطور أدب الأطفال، حيث أعجب بكتابات لافونتين فسار على منوالها فيما نظمه من أشعار ومزجها بما يعرف من التراث العربي في مجال قصص الحيوان وكليلة ودمنة ونحوها، فألف مجموعة قصائد منها: «الصياد والعصفورة»، «الديك الهندي»، «الدجاج البلدي» ضمنها في شوقياته التي صدرت عام 1898.
ثم تتابعت جهود الأدباء لكتابة أدب الطفل من شعر وقصة ارتكزت في الغالب على إعادة كتابة قصص من التراث بالتلخيص والتبسيط وإضفاء التشويق ومواكبة روح العصر.
وبعد عهد شوقي برز اسم كامل الكيلاني الذي صنف على رأس رواد أدب الطفل في مصر والعالم العربي، فبدأ مشواره بتأليف قصته الشهيرة «السندباد البحري»، بالإضافة إلى «من حياة الرسول» التي يسرد فيها سيرة الرسول صلى اللـه عليه وسلم لتتماشى مع فهم وإدراك الأطفال.
ثم دوت أسماء أخرى واصلت المسيرة وأبدعت في هذا المجال مثل أحمد نجيب وعلي الحديدي في مصر وسليمان العيسى من سورية وجعفر الصادق من العراق.
في سورية
تعود نشأة أدب الأطفال في سورية إلى أكثر من قرن عندما اضطلع أدباء وفنانون كبار بتخصيص جزء من نتاجهم للصغار لتقديم قيم تربوية تجمع بين المعرفة والسلوك الإيجابي وتناسب ذهنية الطفل. فأخذت مطبوعات الأطفال تنتشر في سورية بشكل ملحوظ، ومن أشهر كتاب الأطفال زكريا تامر الذي كتب نحو 100 قصة للأطفال، بالإضافة إلى سليمان العيسى الذي أسس مرحلة جديدة من أشعار الطفولة في النصف الثاني من القرن العشرين.
خطوة جادة
وكانت سورية من أوائل البلدان العربية التي خصصت مجلات للطفل، فصدرت مجلة «أسامة» في مطلع شهر شباط عام 1969 وكانت الخطوة الجادة الأولى نحو تأصيل فن أدبي للأطفال على الساحة السورية بصورة خاصة والعربية بصورة عامة، وغدت من الوسائل الضرورية لثقافة الطفل وحققت له أول لقاء مع الثقافة والعلم والأدب والفن لأنها لعبت دوراً مهماً في تقديم خدمات معرفية جليلة، وكان من أولى مهمات مجلة أسامة مراعاة اختيار الموضوعات والمواد التي تقدمها لقرائها الصغار، كما أفسحت حيزاً من صفحاتها لقصص الأطفال التي حملت سمات فنية وعلمية ضمنية ومباشرة.
كما صدر عن وزارة الثقافة- الهيئة العامة السورية للكتاب مجلة «شامة» الشهرية التي تعنى بالفئة العمرية للأطفال من 4-8 سنوات وتركز على القيم التربوية في مضامينها الأدبية والمعرفية المتنوعة، وتختلف عن مجلة أسامة بتخصصها العمري الدقيق بمرحلة الطفولة المبكرة ومتطلباتها النفسية والجمالية واللغوية.
ومرت مجلة «شامة» في نشأتها بمراحل متباينة بسبب الظروف التي نشأت فيها خلال الأزمة، والقيمة التربوية فيها تكمن في جوهرها بالتلميح وليس بالتنظير أو التلقين المباشر اللذين قد ينفران الطفل، فتمرر له القيم التربوية والإنسانية بالرسوم المشغولة بصرياً بشكل دقيق ومدروس.
ولم تغب عن مجلة «شامة» رسائل غرس الانتماء والوطنية، فأصدرت عدداً مخصصاً للقضية الفلسطينية تضمن لوحة للفنانة عدوية ديوب تركز على رمز شجرة الزيتون المقدسة، ولوحة للفنانة ريما كوسا إلى جوار قصيدة للشاعر بيان الصفدي عن «أمٍ مفجوعة تبحثُ عن يوسُفِها بعيونٍ تغلي، تسألُ عن يوسُفِها الحلوِ الأبيض ذي الشعر الكيرلي». بالإضافة إلى عدد مخصص لفكرة الأسرة، وآخر عن الأم في عيدها، وعدد خاص عن الزلزال.