عزيمة الروح
| حسن م. يوسف
كلما قرأت أو سمعت أحدهم يتحدث عن دون كيشوت بشكل سلبي أشعر برغبة في الدفاع عن الرجل، فهو برأيي شخص غير عملي، يؤمن بالمبادئ والمثل العليا والحب في زمن نفعي، يمر بسلسلة مواقف هزلية ذات جوهر مأساوي، تجعل سلوكه المضحك يخفي مأساته وتجعل حكمته تأخذ شكلا مضحكاً.
دون كيشوت شخص يرفض التأقلم مع الواقع، لأنه يرفض ذلك الواقع، وهو عندما يتصرف بشكل لا عقلاني يظهر شجاعة في وجه التحديات ترقى إلى مستوى البطولة. ما جعل الناقد البلغاري الكبير افريم كارانفيلوف يصفه في كتابه المهم: «أبطال وطباع» بأنه… رجل مستقل ومعتد بنفسه، حي وحيوي مضحك وذو شباب لا يذبل… فهو في سن العقل والنضج والاستقرار يغادر بيته كي يناضل ضد غير المستقيمين في الحياة».
دون كيشوت ليس شيخاً خرفاً كما نشير إليه في جل أحاديثنا وكتاباتنا، بل هو شيخ حالم عاشق قرر ألا يسمح لأحد بتجريده «من عزيمة الروح».
ما وضعني في مواجهة هذه المسألة مقال نشره يوم أمس السبت الزميل العزيز سامر محمد إسماعيل في جريدة السفير اللبنانية بعنوان: «المثقف السوري: دون كيشوت الدراما التلفزيونية».
صحيح أن الزميل سامر لم يتبن المفهوم الشائع لدون كيشوت تصريحاً، غير أنه يشير إلى أن درامانا التلفزيونية «قدّمت صوراً متنوعة عن المثقف السوري؛ منها ما بات يُصرّ على تنحيته من الواجهة الاجتماعية عبر كاركترات أقرب إلى «دون كيشوت» يحارب طواحين السلطة والاغتراب والعجز وسخرية الآخرين». عبر تقديم صور نمطية يرى أنها في أغلبها، تمثل انعكاساً واقعياً لحال المثقفين والثقافة.
في مقاله يشير الزميل سامر إلى أن «شريحة المثقفين قد تكون حتى الآن مظلومة على شاشات العرض. « ثم يخصص بقية مقاله لاستعراض أهم شخصيات المثقفين والمثقفات التي وردت في الأعمال الدرامية السورية منذ تسعينيات القرن الماضي حتى الآن.
لست هنا بصدد مناقشة ما جاء في مقال الزميل سامر، بل بصدد مناقشة ما لم يرد فيه، فقد فات الزميل عن غير قصد، كما أرجح، أن يشير إلى شخصيات شهداء السادس من أيار الذين وثَّق كاتب هذه الكلمات مأساتهم في الجزء الأول من مسلسل «إخوة التراب». قد يقول قائل إن «إخوة التراب» عمل قديم، وهذا صحيح، لكن الزميل سامر تناول في عرضه النقدي مسلسلاً أقدم من «إخوة التراب» بعامين هو «حمّام القيشاني».
يعلم قارئي العزيز أنني أعلنت غير مرة أن العمل الفني الذي لا يدافع عن نفسه، ليس جديراً بالدفاع عنه، لذا آمل ألا يتبادر لذهن أحد أنني هنا بصدد الدفاع عن «إخوة التراب». ما أنا بصدد الدفاع عنه هو شهداء السادس من أيار الذين أعدمهم الطوراني جمال باشا السفاح، بتدبير مخابراتي من سيئ الذكر مسيو بيكو قنصل فرنسا في لبنان. فقد كان هؤلاء الشهداء من أهم المثقفين الوطنيين المقاومين في سورية ولبنان وفلسطين، إذ كان في صفوفهم مثقفون مبدعون من ألمع الشعراء والكتاب والصحفيين والسياسيين مثل الشاعر عمر حمد، والشيخ عبد الحميد الزهراوي، والأمير عمر الجزائري، حفيد الأمير عبد القادر الجزائري، ورفيق رزق سلّوم، ورشدي الشمعة… الخ.
والحق أن الهدف الحقيقي من هذا المقال هو تسليط الضوء على الذكرى المئوية الأولى لارتقاء هؤلاء الشهداء الأبرار كي لا يفاجأ أحد من الإعلاميين بمرورها في السادس من أيار القادم.