قضايا وآراء

اتفاق وقف الحرب على لبنان بين صراع الداخل الإسرائيلي وقدرات المقاومة

| علي عدنان إبراهيم

يدور الحديث بشكل كبير مؤخراً في الإعلام الإسرائيلي عن إحراز «تقدم كبير» في مسار التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان بالتزامن مع إعادة فتح ملفات فساد رئيس حكومة كيان العدو بنيامين نتنياهو التي كانت مفتوحة على مصراعيها قبل انطلاق «طوفان الأقصى» لتعود به إلى واحد من أسوأ كوابيسه.

نتنياهو الذي لم يتمكن بعد أكثر من 40 يوماً منذ إطلاق العدوان البري على لبنان، وعلى الرغم مما اعتبره «إنجازات غير مسبوقة» بتحقيق ضربات مؤلمة لحزب الله، من الاحتفاظ العسكري بأي مساحة في الجنوب اللبناني وإنما اقتصر التقدم على عمليات قصف جوي ومدفعي مكثفة يليها دخول سريع لقوات الهندسة إلى قرى الحافة الأمامية وتفخيخ المنازل لتفجيرها عن بعد بهدف حرمان أهلها من العودة إليها ضمن إستراتيجية متوقعة تنتهجها إسرائيل بإشغال البيئة الحاضنة للحزب بالخراب الذي ستلقاه لجعل عودة المقاومة إلى الحدود صعبة في المدى المنظور وذلك في حال التوصل إلى أي اتفاق، وهي بهذا السلوك تعترف اعترافاً ضمنياً أن الحزب لبناني خالص منبثق من الأرض التي يدافع عنها ويهاجم لأجل تحقيق الأمن القومي لبلاده فقط وليس لمصلحة إيران أو غيرها، الحقائق ذاتها التي أكدها مسؤول العلاقات العامة في حزب اللـه محمد عفيف الذي قال بشكل واضح «مقاومتنا نشأت على أرضنا التي احتلت.. ومقاومونا لبنانيون ولسنا فصيلاً عند أحد»، مطمئناً في الوقت عينه على قدرات المقاومة وإمكانياتها الكبيرة ونافياً الحديث عن تراجع المخزون الصاروخي للحزب، ما يؤكد أن الضغط العسكري الإسرائيلي لم يثمر عن إضعاف حزب اللـه بل إن التوصل لاتفاق صار ضرورة حيوية لإسرائيل لوقف حرب الاستنزاف المستمرة التي يبدو أن حكومة نتنياهو باتت غير قادرة على تحمّل فاتورتها خاصة في حال انقطاع المدد المالي غير المحدود بعد أفول عهد بايدن وهاريس ووصول ترامب إلى كرسي الرئاسة واتخاذ القرار في البيت الأبيض واحتمال وضعه شروطاً قد تلجم عمل نتنياهو وتقيّد يده المفرودة فوق غزة ولبنان وكل المنطقة.

الاتفاق الذي تأمل إسرائيل في المرحلة الحالية الوصول إليه يضمن أولاً إبعاد حزب اللـه إلى ما وراء نهر الليطاني أو ربما نهر الأولي، ووقف أي شكل من أشكال إمداده بالسلاح والذخيرة من أي مصدر كان وعبر أي طريق كان، إضافة للبند الأخطر وهو منح إسرائيل حقاً شرعياً في اقتحام الحدود برياً عند الإحساس بأي خطر أمني داهم من الجهة اللبنانية، هذه البنود التي تم تداولها بشكل غير رسمي تتكامل مع ما أعلنته إذاعة جيش الاحتلال نقلاً عن مصادر وصفتها بالمطلعة حول أن الجيش سينهي عملياته قريبا في قرى الحافة الأمامية لجنوب لبنان وسيتمركز في مرحلة لاحقة على الحدود بقوة كبيرة ليهاجم براً وجواً أي تحرك أو نشاط للحزب، مسوّقاً لجمهوره تحقيق هدفٍ لم يرد على ذكره سابقاً ضمن سلة الأهداف التي طرحها وهو إزالة مخطط حزب اللـه باجتياح الجليل، ومستدركاً القول إنه قد يواصل إطلاق الصواريخ، أما قراءة حزب اللـه للأمر يمكن وصفها بالواقعية والثابتة حيث أكد عفيف أن المقاومة لم تدّع هزيمة إسرائيل، أما الانتصار الذي تعمل للوصول إليه فهو منع العدو من تحقيق أهدافه السياسية والعسكرية وعلى رأسها إعادة المستوطنين إلى الشمال بالقوة، والقضاء على حزب اللـه الذي عاد للتعافي بشكل سريع بعد الضربات القوية التي تلقاها وتمكن من إعادة تنظيم صفوفه وتنفيذ تهديداته ومنع التقدم البري الإسرائيلي.

إلا أن نيات الاتفاق تصطدم بالداخل الإسرائيلي ما بين مؤيدين ومعارضين، فنتنياهو رفع السقف بشكل كبير مع بدء العمل الجدّي ضد حزب اللـه منتصف أيلول الماضي، ومع مرور الوقت فقدَ أوراق قوته التي لم تقدم جديداً حيث لم تتعدّ تكثيف الغارات على الأبنية السكنية وخلق أزمة إنسانية زادت الضغط الدولي عليه لوقف الحرب، أما سياسة الاغتيالات التي كانت ناجعة مع بداية استهداف القادة فبدأت تجف الآن مع وصول قادة جددٍ غير معروفين إلى مفاصل قيادة الحزب بجناحه العسكري، ما يعني خلق عدو مجهول من جديد بعد إمضاء سنوات طويلة من التجسس والتنصت على القادة السابقين الذين توقعت إسرائيل باستهدافهم انهيار الحزب، ففوجئت بالعكس، لينقسم الداخل الإسرائيلي بعد كل هذه المعطيات إلى شقين متساويين حسب استطلاع أجراه «معهد الديمقراطية الإسرائيلي» خلص إلى أن نحو 46 بالمئة من الإسرائيليين يريدون استكمال الحرب ضد حزب اللـه حتى إبعاده بشكل واقعي وبالضغط العسكري إلى ما وراء الليطاني، على حين يؤيد ما نسبته أيضاً 46 بالمئة التوصل إلى اتفاق يحفظ الأرواح ويعيد المستوطنين إلى الشمال سريعاً ويوقف دوي صافرات الإنذار ويعيد إقلاع عجلة الاقتصاد التي بدأت تتآكل في مستوطنات الشمال بشكل عام.

كذلك يصطدم المروجون للاتفاق بتيار غير مرحّب به ضمن الجيش الإسرائيلي، على الرغم من البيانات المرعبة حول إمكانيات الجيش البشرية الحالية، التي تقول حسب صحيفة «يديعوت أحرونوت» إن عدد جنود الاحتياط الذين ينصاعون لأوامر الاستدعاء في غزة ولبنان تراجع بنسبة 20 بالمئة، وإن آلاف الجنود من قوات الاحتياط يرفضون الامتثال للخدمة العسكرية، مشيرة إلى أن هذا النقص العددي وتراجع الرغبة بالقتال بدأ مع انطلاق الحرب على لبنان لقساوتها وفشلها، هذا الأمر يصطدم بقرار رئيس الأركان، هيرتسي هاليفي، الذي يعتبر القائد الفعلي للجيش، والذي صدق على توسيع العملية البرية في جنوب لبنان، أي اتجاه لدخول المغامرة بشكل أوسع وإغراق نتنياهو وحكومته بمستنقع لبنان كما حدث في حرب عام 2006، في وقت تؤكد المعلومات القادمة من واشنطن أن الإدارتين الحالية والقادمة إلى البيت الأبيض متفقتان على ضرورة إنهاء الحرب في لبنان قبل نهاية العام الحالي، وفي مواجهة دخول موسكو على خط تسوية الأزمة في الشرق الأوسط بعد ابتعادها عن الساحة السياسية في الإقليم لمدة عام، الأمر الذي أثار حتى مخاوف مسؤولين أمنيين إسرائيليين اعتبروا أنه من غير الصائب إدخال روسيا بمساعي التسوية مع لبنان وتوسيع تأثيرها بالمنطقة.

الإعلام الإسرائيلي روّج لما قال إنه مسودات اتفاق حول وقف إطلاق النار تم تبادلها بين لبنان وواشنطن وحكومة الاحتلال، وأكد أن هناك فرصة جيدة للوصول إلى اتفاق، وبالمقابل يُظهر حزب اللـه حجم الارتياح بالنسبة للواقع الميداني ويبدو أنه على استعداد للمضي طويلاً في إرباك حيفا وتل أبيب وحرمان المستوطنين من العودة إلى الشمال حتى قدوم ترامب وترتيب أوراقه في المكتب البيضاوي ووضع إستراتيجيته للسنوات الأربع القادمة واتخاذه القرار النهائي بخصوص الوضع في الشرق الأوسط، فهل ستستمر سياسة إطلاق يد نتنياهو أم إنها ستقيّد ويُجبر على توقيع اتفاق خالٍ من أي شروط مسبقة توضع على لبنان بفضل صمود المقاومة؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن