سورية

القمة العربية والإسلامية غير العادية بحثت تداعيات العدوان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية ولبنان وتطورات الأوضاع في المنطقة … الرئيس الأسد: منذ عام والجريمة مستمرة.. نقدم السلام فنحصد الدماء.. وتغيير النتائج يستدعي استبدال الآليات والأدوات

| الوطن

شدد الرئيس بشار الأسد في كلمة له أمام القمة العربية الإسلامية غير العادية في الرياض أمس ضرورة تغيير الآليات والأدوات لمواجهة العدوان الإسرائيلي، داعياً إلى تحديد خياراتنا، ومشيراً إلى أننا لا نتعامل مع دولة بل مع كيان استعماري، ولا نتعامل مع شعب بل مع قطعان مستوطنين أقرب إلى الهمجية، موضحاً أنه ومنذ عام والجريمة مستمرة، وأننا نقدم السلام فنحصد الدماء، وأن تغيير النتائج يستدعي استبدال الآليات والأدوات، وأن المشكلة تحدد الوسيلة والوسيلة أساس النجاح، مؤكداً أن الأولوية حالياً لوقف المجازر ووقف الإبادة ووقف التطهير العرقي، ومتسائلاً: ما قيمة حقوق الشعب الفلسطيني بمجملها إذا لم يمتلك الفلسطينيون أساسها وهو حق الحياة؟

وفيما يلي النص الكامل للكلمة:

سمو الأمير محمد بن سلمان ولي عهد المملكة العربية السعودية، أصحاب السيادة والجلالة والسمو،
لن أتحدث عن حقوق الفلسطينيين التاريخية الثابتة وحتمية التمسك بها، أو عن صمود الشعبين اللبناني والفلسطيني وواجبنا في دعمهما العاجل والفوري، ولا عن شرعية المقاومة في كلا البلدين وما جسدته من شرف وكرامة ورقي، وما قدمته من أيقونات بقادتها الشرفاء ومقاتليها الشجعان، لن أتحدث عن نازية المحتلين الصهاينة وجرائمهم وكيانهم المصطنع ولا عن تحول الغرب من داعم لهذا الكيان وجرائمه منذ قيامه إلى شريك مباشر ومعلن فيها، فهذا لن يضيف شيئاً لما يعرفه أغلبية العرب والمسلمين وما يعرفه كثيرون غيرهم في العالم اليوم.

منذ عام والجريمة مستمرة

أما عن قمتنا فمنذ عام مضى التقينا وعبرنا، أدنا واستنكرنا، ومنذ عام والجريمة مستمرة، فهل نلتقي اليوم لكي نستنسخ الماضي الراحل وإحداثه، أم لنبدل في مسار المستقبل القادم وآفاقه، ففي العام الماضي أكدنا على وقف العدوان وحماية الفلسطينيين، وكانت محصلة السنة عشرات الآلاف من الشهداء، وملايين المهجرين في فلسطين وفي لبنان، وفي العام 2002 طرح العرب مبادرة للسلام، فكان الرد المزيد من المجازر بحق الفلسطينيين، وفي العام 1991 قررنا عربياً الدخول في لعبة النيات الحسنة الأميركية عبر المشاركة في عملية السلام في مدريد، فكان سلامنا حافزاً لحروبهم وتشريعاً لاستيطانهم، وهذا لا يدل على خطأ في التوجهات، وإنما على قصور في تحضير الأدوات، فأداتنا هي اللغة، وأداتهم هي القتل، نحن نقول وهم يفعلون، نقدم السلام فنحصد الدماء، بقاء النتائج على حالها يستدعي إلقاء الأدوات المستخدمة ذاتها، أما تغيير تلك النتائج وهو ما نسعى إليه جميعاً فيتطلب استبدال الوسائل والآليات القائمة، المجربة مراراً وغير المجدية تكراراً.

الأولوية لإيقاف الإبادة

فإذا كنا متفقين حول المبادئ المطروحة، فكيف نحولها إلى تطبيق على الواقع، بتحديد أهدافها والنتائج التي نرمي إليها، بتحديد أدواتها المتوفرة من أجل تحقيقها، بتحديد الجهة المستهدفة منها، والذي من شأنه تحويلها من نيّات إلى أفعال ومن خطة إلى إنجاز، ومن بيان إلى واقع، وقد تبدو الأهداف من البداية بالنسبة لأي منا عند ذكر الحقوق المستباحة للشعب الفلسطيني، لكن ما قيمة هذه الحقوق بمجملها، عندما لا يمتلك الفلسطينيون أساسها، وهو حق الحياة، وما قيمة أي حق يعطى في أي مكان من العالم، في أي مجال من المجالات، للأموات، هذا يعني أنه مع أهمية العمل من أجل استعادة الحقوق الشرعية كافة، فالأولوية حالياً هي لإيقاف المجازر، هي لإيقاف الإبادة، هي لإيقاف التطهير العرقي، أما الأدوات فباعتقادي أننا نمتلكها مجتمعين، شعبياً ورسمياً عرباً ومسلمين دولاً وشعوباً، وما نحتاجه هو القرار باستخدامها في حال رفض الكيان للتجاوب مع ما ورد في البيان واتفق عليه، وهو المتوقع، وتحديد خياراتنا حينها أن نغضب مرة أخرى، هل ندين، هل نناشد المجتمع الدولي أم نقاطع، وهو أضعف الإيمان أم ماذا؟ ما خطتنا التنفيذية؟ من دون ذلك فنحن نحض على استمرار الإبادة لنصبح شركاء غير مباشرين فيها، فنحن لا نتعامل مع دولة بالمعنى القانوني، وإنما مع كيان استعماري خارج عن القانون، نحن لا نتعامل مع شعب بالمعنى الحضاري، وإنما مع قطعان من المستوطنين، أقرب إلى الهمجية منهم إلى الإنسانية.

عقل مريض بسفك الدماء

ومن غير الصحيح القول إن المشكلة هي في حكومة راهنة متطرفة فاقدة للعقل، وشعب مذعور مما حصل في السابع من تشرين الأول في العام الماضي، كلهم يعملون بعقل إيديولوجي واحد، عقل مريض بسفك الدماء، مريض بوهم التفوق، مصاب بانفصام الشخصية بين كره النازية ظاهرياً وعشقها كجزء عضوي منه واقعياً، أولئك هم المستهدفون من لقائنا اليوم، وأولئك هم المشكلة، والمشكلة تحدد الوسيلة، والوسيلة أساس النجاح، وهنا يكمن جوهر اجتماعنا اليوم الذي أرجو له أن يكون ناجحاً، وأن نوفق في اتخاذ القرارات الصائبة، كي لا نكون كمن يتحدث مع اللص بلغة القانون، ومع المجرم بلغة الأخلاق، ومع السفاح بلغة الإنسانية، وكي لا تكون النيّات الحسنة مرة أخرى منطلقاً وحافزاً للمزيد من الموت بحق الشعبين الفلسطيني واللبناني اللذين دفعا على مر العقود ثمن النيات الطيبة والآليات الغائبة، والسلام عليكم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن