رسائل الحافة الأمامية
| منذر عيد
منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في اليوم التالي لعملية طوفان الأقصى؛ وتالياً العدوان على لبنان؛ فإن جميع السرديات الإسرائيلية سقطت بشكل مريع؛ سواء لجهة إظهار تلك السرديات الكيان الإسرائيلي أنه إنساني مسالم وأن هناك «جماعات من الأشرار» تريد القضاء عليه ورميه في البحر؛ أو من جهة إظهارها قوة جيش الاحتلال وامتلاكه زمام السيطرة والردع في المنطقة؛ وصولاً إلى الادعاء بالقضاء على المقاومة سواء في قطاع غزة أو لبنان، وتدمير جميع قدراتها وبنيتها.
بين «الهمروجة» السياسية والدعائية لقادة الكيان؛ وفعل المقاومة في أرض الميدان؛ تتكشف حقائق مرة يتكبدها الاحتلال الإسرائيلي سواء عسكريا؛ أم في الداخل من جهة الخسائر الاقتصادية؛ أو من جهة عجزه عن إعادة مستوطنيه إلى الشمال الفلسطيني المحتل، الأمر الذي عكسته منصات اجتماعية للمستوطنين عبر نشرها مقطع فيديو يعرض مشاهد الدمار في الكريوت، وتسخر فيه من وزير الحرب يسرائيل كاتس؛ بعد تصريحاته الأخيرة التي قال فيها «نحن قضينا على حزب الله».
وشتان بين التضليل والكذب الاسرائيلي، والادعاء بالانتصار برياً في جنوب لبنان، وحقيقة ما يظهره مقاومو حزب الله هناك، فالأول يضلل سياسياً لإرضاء الداخل الصهيوني وتقديم صورة مخادعة تمكنه من الحصول على دعم داخلي إذا ما قرر المضي نحو المزيد من العدوان في المنطقة؛ أو للحصول على ما يريد من خلال المفاوضات؛ حيث تتحدث الأنباء عن عودة مرتقبة للمبعوث الأميركي أموس هوكشتاين إلى المنطقة، وعزم إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الظفر بإنجاز قبل نهاية ولايته وهو وقف العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان، بينما الثاني يقاوم ويصلي المستوطنات وقواعد ومصانع الاحتلال العسكرية بالصواريخ من على الحافة الأمامية على الحدود الفلسطينية اللبنانية التي ادعى الاحتلال أنه سيطر عليها وطرد مقاتلي الحزب منها، حيث صوّر جنود الاحتلال داخل المستوطنات القريبة من الحدود، إطلاق الحزب صليات صاروخية وسط ذهول واضح، لم يقتصر على الجنود، بل انتقل إلى عموم المستوطنين ووسائل الإعلام الإسرائيلي.
وعليه، سقط رهان رئيس حكومة الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على تخوم بنت جبيل والخيام، ولم يتمكن خلال أكثر من أربعين يوماً من العدوان البري، من تحقيق أي إنجاز سوى التقاط صور، وعلى عجل، فوق خراب المنازل التي فجرها هناك، ولم يستطع التثبيت ولو على عمق أمتار في جغرافيا الجنوب اللبناني، في مقابل صمود المقاومة اللبنانية، وتطوير هجومها الصاروخي باتجاه عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة بدقة إصابة كبيرة وتجاوز منظومات الدفاع الصهيونية، بعد أن حافظت على سيطرتها بالنار على جميع مناطق الشمال الفلسطيني.
أمام تلك الحقيقة، وفي ضوء التقارير التي تصله من المستوى العسكري عن حجم الخسائر في الجنوب، لم يكن أمام حكومة نتنياهو من حل سوى الإعلان عن قرب انتهاء العمليات العسكرية في لبنان، وخاصة في ظل العجز عن تحقيق أي هدف من أهداف العدوان والمتمثلة بإعادة مستوطني شمال فلسطين المحتلة إلى مستوطناتهم، وبتنفيذ توغل بري محدود لتدمير بنية حزب الله، ودفع مقاتليه إلى شمال نهر الليطاني، ليشكل ذلك بشكل غير مباشر إعلان هزيمة مدوية لجيش الاحتلال.
هزيمة الكيان غير المباشرة أكدتها صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية بقولها إنه على الرغم من مزاعم المسؤولين في الكيان الإسرائيلي بأنهم نجحوا في إضعاف البنية القيادية لحزب الله، وقتل الآلاف من عناصره، وتفكيك بنيته التحتية على طول الحدود، فإن جنود جيش الاحتلال على الأرض يقولون إن حزب اللـه لايزال يقاوم، ويميل مقاتلوه إلى استخدام تكتيكات حرب العصابات، وهو أحد أساليب الحرب التي يتدربون عليها، ويستعدون من خلاله لإلحاق الخسائر بالإسرائيليين وإبقاء الحرب مستمرة.
رغم تهليل نتنياهو لفوز دونالد ترامب بالانتخابات الأميركية، لكن على ما يبدو فإن الأول لا يأمن جانب الثاني، في الضغط لإنهاء العدوان على قطاع غزة ولبنان، وخاصة مع إعلان ترامب نيته إنهاء جميع الحروب في المنطقة، وهو ما قد يدفع بالإسرائيلي إلى الإقدام على خطوة استباقية تحفظ له «ماء الوجه» غير الموجود أصلاً، عبر الإعلان عن «نصر»، وإيقاف العدوان بمزاعم تحقيق الأهداف، مع العمل على ما يمكن عمله والحصول عليه عبر المفاوضات غير المباشرة مع حزب الله.
بعيداً عن جميع الخطط والقرارات الإسرائيلية، والمتوقع من قدوم ترامب، فإن الحقيقة تؤكد أن الكلمة الفيصل في إنهاء العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان هي للميدان وصمود المقاومة، وعليه فإن صراخ الكيان من ضربات المقاومة، سوف تجعله يقر بفشله، ولو بشكل غير مباشر، وستدفع به إلى الذهاب صاغراً إلى اتفاق، والعودة بسلة خاوية من عدوانه في المنطقة.