المستوطنون بين اليأس ومستقبل هزيمة مشروعهم البريطاني
| تحسين حلبي
تحت عنوان «اليأس» نشر الصحفي الشهير في الكيان الإسرائيلي أمير بن ديفيد تحليلاً تحت عنوان «مفاهيم أساسية لفهم الواقع الإسرائيلي» في مجلة «زمان يسرائيل» العبرية في 8 تشرين الثاني الجاري جاء فيه: «إن الذي أخرج عشرات الآلاف من الإسرائيليين عندما أقال رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وزير دفاعه يوآف غالانت في الخامس من شهر تشرين الثاني الجاري، هو اليأس من هذا الواقع وخاصة بعد أحداث السابع من تشرين الأول (عملية طوفان الأقصى)، فكثيرون من المتظاهرين قتلوا أصدقاءهم الجنود بعد أن كان الكثيرون منهم في خدمة الاحتياط مرتين أثناء الحرب، وجرى تهجير عشرات الآلاف من المستوطنين من منازلهم وتعرض آخرون يوميا لكل أشكال الخوف والفزع من سقوط الصواريخ من جبهات عدة، وسخر كثيرون في تل أبيب من تعيين يسرائيل كاتس وزيراً للدفاع وهو لا علاقة له بمثل هذه المهام».
ويضيف بن ديفيد «في ذلك اليوم اتسعت دائرة الشعور باليأس عند الكثيرين من دون أي حل بديل يمنح الأمل، وفي التوراة تنتهي نصوص سرديات الغضب بنبوءات الرحيل إلى المنافي».
ويلاحظ كل من يتابع آراء ومقالات الإسرائيليين في مختلف وسائل الإعلام العبرية أن عبارات الإحباط، والطريق المسدود، واستحالة تقبل العرب للوجود الإسرائيلي، تحتل حيزاً كبيراً في نصوصهم وسردياتهم حتى في وسائل التواصل الاجتماعي، فهم يرون حقاً أن الولايات المتحدة ترسل لهم كل أنواع السلاح والذخائر لكن حروب ومقاومة الفلسطينيين ضدهم من داخل الأراضي المحتلة، وكذلك مشاركة اللبنانيين والسوريين في الجوار، ومن يدعمهم من إيران إلى اليمن إلى العراق، تدفع إلى موتهم واستمرار كوابيس الخوف والفزع الرهيب الذي لم يتوقف طوال أكثر من 13 شهراً حتى الآن، وبدأ معظمهم يرى أنهم لن يكون بمقدورهم مواصلة البقاء في الكيان بالاعتماد على جيشهم وحده، وباتوا يدركون أن الولايات المتحدة لن ترسل جنودها للقتال إلى جانب الجيش الإسرائيلي على غرار ما فعلته عام 1964 حين أرسلت عشرات الآلاف من قواتها إلى فيتنام الجنوبية لقتال فيتنام الشمالية ثم قتل لها خمسون ألفا من الجنود خلال 11 عاماً انتهت بهزيمتها وانسحابها من دون قيد أو شرط وتخلت عن جيش فيتنام الجنوبي العميل تاركة مصيره لفيتنام الشمالية، ويرى الإسرائيليون أيضاً أن احتلال العراق عام 2003 على يد القوات الأميركية والغربية الأخرى ومقتل الآلاف بل عشرات الآلاف من جنود الاحتلال، جعل واشنطن لا تتحمل استمرار المقاومة فقررت الانسحاب في عام 2012 ثم انسحبت بعد ذلك من أفغانستان التي احتلتها عام 2001 ثم عجزت عن حماية الجيش الأفغاني العميل الذي أسسته لها طوال 21 عاماً فتركته وراءها وتخلت عنه بعد أن دفعت ثمناً باهظاً من الخسائر البشرية لضمان وجوده، ويبدو أن عدداً كبيراً من الإسرائيليين أصبحوا يدركون أن الولايات المتحدة لن ترسل لهم جنوداً يغطون النقص في القوة البشرية العسكرية الإسرائيلية وسيبقون وحدهم في الميدان بأسلحة أميركية وذخائر لكن بأقل عدد من الجنود وعلى جبهات متعددة، وهم يعرفون أن حروب المقاومة تستنزف دماءهم وتدمر معنوياتهم وليس بمقدور هذا الكيان بكل ما لديه، تحمل عبء حرب كهذه، وعلى سبيل المثال تؤكد وسائل الإعلام الإسرائيلية أن أكثر من مليون غادروا الكيان عائدين إلى أوطانهم التي يحملون مواطنيتها وليس كلاجئين، وأن الآلاف من علماء ومختصين في الشركات التكنولوجية لأبحاث الاتصالات الذكية والعلوم غادروا ولن يعودوا وقد أغلقوا شركاتهم في الكيان، وأن النقص في الأطباء بسبب الهجرة العكسية للأطباء بلغ نسبة كبيرة، وأن الأموال التي يستحقها جنود الاحتياط وعددهم 370 ألفا، بعد مغادرتهم لوظائفهم وأعمالهم ستتحول إلى عبء هائل، ناهيك عن التعويضات التي يطالب بها المستوطنون لترميم ما دمرته المقاومة من بيوت ومنشآت إنتاجية وصناعية وأعطال وبطالة بسبب الحرب، وعلى الساحة العالمية ومجالها في ميدان الرأي العام، أصبح الإسرائيلي مجرم حرب في كل الغرب ولم تعد تبريرات الصهيونية بشعار «معاداة السامية» تقنع أحداً أو تخيف أحداً بعد جرائم حرب الإبادة ضد الأطفال والنساء في فلسطين ولبنان، وإذا كان بن ديفيد الصحفي الإسرائيلي، يشير إلى حالة اليأس في عنوان مقاله فإن كاتباً آخر يقول إن المستوطنين أصبح من حقهم رفع قضية في القضاء البريطاني ضد حكومات بريطانيا التي جندت ووظفت يهود أوروبا لاستيطان بلاد قالت عنها إنها أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، فتبين أنها كانت تضم شعباً كثير العدد قتل من المستوطنين الكثيرين وقتل المستوطنون منه الكثيرين خدمة للمصالح البريطانية ثم للمصالح الأميركية، في حين بقي بقية يهود العالم آمنين لأنهم رفضوا تجنيدهم في هذا المشروع البريطاني- الأميركي المهزوم.