تناقضات المرحلة.. سورية المقاومة ثابتة
| محمد نادر العمري
في الوقت الذي لم تجف به مخرجات البيان الختامي للقمة العربية- الإسلامية غير العادية التي انعقدت في الرياض بالسعودية، والتي وصفت من قبل بعض المتابعين على أنها تضمنت خطاباً تصعيدياً شاملاً لأول مرة ضمن إطار هذين المستويين العربي والإسلامي في تحميل الكيان الإسرائيلي مسؤولية تصعيد الأوضاع في المنطقة عموماً وقطاع غزة ولبنان بشكل خاص، حتى سارع وزير الدفاع الإسرائيلي الجديد يسرائيل كاتس للقول: إنه لن يكون هناك وقف لإطلاق النار أو أي تهدئة في لبنان حتى تتحقق أهداف الحرب، وإن تل أبيب لن توافق على أي ترتيب لا يشمل نزع سلاح حزب اللـه وانسحابه إلى ما وراء الليطاني وإعادة سكان الشمال، وضمان حقها في منع الإرهاب، في رد ضمني مباشر على تلك المخرجات التي أكدت على الدعم المطلق للبنان وأمنه واستقراره وسيادته وسلامة مواطنيه، داعية إلى الوقف الفوري لإطلاق النار وتطبيق القرار 1701، وحذرت من خطورة التصعيد الإسرائيلي إقليمياً ودولياً، وأدانت بأشد العبارات ما يكتشف من جرائم مروعة وصادمة يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي، مطالبة مجلس الأمن بتشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة وذات مصداقية للتحقيق في هذه الجرائم، واتخاذ خطوات جدية لمنعها، مؤكدة على مركزية القضية الفلسطينية والدعم الراسخ للشعب الفلسطيني لنيل حقوقه الوطنية المشروعة غير القابلة للتصرف، وتضمن هذا البيان بدء العمل على حشد الدعم الدولي لتجميد مشاركة إسرائيل في الجمعية العامة للأمم المتحدة، مجددة التأكيد على أن سيادة دولة فلسطين الكاملة على القدس الشرقية المحتلة، عاصمة فلسطين الأبدية ورفض أي قرارات أو إجراءات إسرائيلية تهدف إلى تهويدها وترسيخ احتلالها الاستعماري.
قمة الرياض التي حذرت من خطورة التصعيد التي تعصف بالمنطقة وتبعاته الإقليمية والدولية، ومن توسع رقعة العدوان التي تجاوزت العام على قطاع غزة، وامتدت لتشمل الجغرافية اللبنانية، ومن انتهاك سيادة جمهورية العراق والجمهورية العربية السورية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، دونما تدابير حاسمة من الأمم المتحدة وبتخاذل من الشرعية الدولية، تزامنت مع ثلاثة تطورات رئيسية:
أولاً: نجاح المرشح الجمهوري دونالد ترامب بالفوز بالانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية، وهيمنة حزبه وفق النتائج الأولية على الكونغرس بمجلسيه النواب والشيوخ، وزعمه التوجه نحو إنهاء الحروب، بغض النظر عن مدى القدرة والكيفية في تنفيذ ذلك، والطرق والوسائل وآليات الحلول والمخارج التي تبدو أنها معقدة لدرجة أكثر بكثير مما ينظر له.
ثانياً: امتعاض إدارة الرئيس الديمقراطي الحالي جو بايدن من خسارة مرشحتهم كاميلا هاريس وتوجه بايدن لممارسة الضغوط في ربع الساعة الأخيرة من حياته الرئاسية لتحقيق إنجاز يتمثل في وقف العدوان الإسرائيلي على المنطقة، وذلك لتسجيل إنجاز سياسي من جانب يسجل في رصيد بايدن، ومن جانب في ظل التخلص من القيود الانتخابية التي طالما استغلها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو خلال الفترة الماضية لتحقيق مآربه الشخصية ومآرب الكيان، والخشية الإسرائيلية من احتمال تبني قرار داخل مجلس الأمن الدولي يقيد العمل العسكري الإسرائيلي في قطاع غزة ولبنان من دون استخدام حق النقض «الفيتو» من قبل المندوب الأميركي.
ثالثاً: التغييرات التي أحدثها نتنياهو في حكومته مؤخراً وكان أبرزها إقالة «أعقل المتطرفين» وزير الدفاع يؤالف غالنت واستبداله بوزير الخارجية المتطرف يسرائيل كاتس وتعيين مكانه جدعون ساعر الذي انضم مؤخراً إلى حكومة نتنياهو قبل إحداث هذه التغييرات، ليضمن بذلك الأخير القدرة على التحكم بالمؤسسة العسكرية بشكل مطلق بما لا يشكل أي خلاف له داخل الحكومة أو حزب الليكود، وهو ما قد يفسر على توجه نتنياهو لارتكاب مغامرة ضد دول المنطقة بما في ذلك سورية أو إيران أو العراق، بالمرحلة التي توصف بها الإدارة الأميركية بالبطة العرجاء.
هذه المؤشرات الثلاثة، التي قرأت من قبل البعض على أنها قد تشكل عامل تهدئة محتملاً خلال المرحلة القادمة، اصطدمت بما كشفه وزير الدفاع الإسرائيلي كاتس بالإعلان عن تصديق رئيس أركان جيش الاحتلال هرتسي هاليفي على خطط جديدة لتوسيع الاجتياح البري في جنوب لبنان قبيل ساعات من انعقاد القمة، ما يجعلنا أمام احتمالين: الأول تحسين التموضع التفاوضي للكيان من خلال استمرار تمسكه بخيار التفاوض تحت خيار النار والتلويح باستخدام القوة النارية واستعراض العضلات، للحصول على تنازلات سياسية عجزت عن تحقيقها الآلة العسكرية، أما الاحتمال الثاني يتمثل في لجوء نتنياهو لسياسة المناورة واغتنام الفرص لاستمرار العدوان، ولاسيما من خلال إدراكه أن المقاومة اللبنانية متمثلة بحزب اللـه لن توافق على الشروط والإملاءات الإسرائيلية، بذلك تكون إسرائيل قد أعدت الخطط العملياتية لمواصلة العدوان على لبنان وأوجدت الذرائع لاستمرار مساعيها لاحتلال مناطق عجزت عن احتلال قرية واحدة منها على الرغم من مرور أكثر من قرابة 40 يوماً على بدء العدوان على لبنان، وما يؤكد هذا التوجه يكمن فيما ذكرته «القناة 14» الإسرائيلية في أن «قرار استمرار القتال بلبنان أصبح الآن مطروحاً على المستوى السياسي والعسكري، وأن أطرافاً إسرائيلية ترى الفرصة مناسبة لتوجيه ضربة قوية لحزب الله، رغم الضغط المحلي والدولي».
حتى اللحظة يمكن القول: إنه ليس هناك جدية من قبل إسرائيل لوقف العدوان على لبنان وغزة إلا وفق شروط وإملاءات تتلاءم مع توجهات مشروع الصهيونية الدينية، بما في ذلك ما عبر عنه وزير المالية بتسلائيل سموتريتش بقوله: إن عام 2025 هو العام الأفضل لضم الضفة الغربية لإسرائيل، هذا التصريح يجب أن يدفع الجميع بما في ذلك من حضر قمة الرياض أمام عدة حقائق:
الحقيقة الأولى هي ما أعلنها الرئيس بشار الأسد عندما قال: «منذ عام مضى التقينا وعبرنا، أدنا واستنكرنا، ومنذ عام والجريمة مستمرة، فهل نلتقي اليوم لكي نستنسخ الماضي الراحل وأحداثه، أم لنبدل في مسار المستقبل القادم وآفاقه»، وهذا يعني أن العرب والمسلمين أمام مفترق طرق أمام هول ما يحصل، إما أن يبقوا رهينة الضغوط لعدم اتخاذ موقف جاد وحازم يدفعهم لتبني وسائل وأدوات التأثير للضغط على الكيان المغتصب ومن يقف خلفه ويدعمه، أو أن يتبنوا مثل هذا الموقف مستفيدين مما حققته المقاومة في فلسطين ولبنان لمجاهرة الغرب وفرض الرؤية والإرادة عليهم.
الحقيقة الثانية هي أن المخاطر لم تعد تنحصر فقط على فلسطين بما تتضمنه من قطاع غزة والضفة الغربية وما يحضر لهما من مشاريع متعددة، وكذلك لبنان، بل باتت هذه المخاطر في المرحلة المقبلة تهدد دول المنطقة بالمطلق، فليس عبثياً ما حصل ويحصل من تدمير ممنهج في غزة ولبنان، وإبادة جماعية، وتغيير ديموغرافي، ومحاولة فرض إملاءات سياسية، والسعي للتحكم بالحدود وغير ذلك، لكون هذه المرحلة العسكرية قد يستتبعها فعلاً مرحلة إنهاء الحروب كما وصفها الرئيس ترامب، وهنا نقصد الحروب الصلبة، واللجوء للحرب الناعمة، التي تقضيها استكمال صفقة القرن، بمعنى قد تكون بوابة إنهاء الحروب لدى ترامب انطلاقاً من تطبيق المشروع الصهيوني في تهجير أهالي قطاع غزة والضفة الغربية، فليست مصادفة أن يتحدث سموتريتش بما تحدث به وأن يحدد عام 2025 لضم ما يعرف وفق المزاعم التسمية الصهيونية «يهودا والسامرا».
الحقيقة الثالثة والراسخة والأهم خلال كل هذه التطورات، هي سورية الموقف والهوية والتوجه، وفق ما أظهره الرئيس بشار الأسد خلال القمة، فعلى الرغم مما حصل من استنزاف على مدى 13 عاماً، والخلاف مع بعض القوى المقاومة في فلسطين نتيجة خروجهم عن مسارهم لفترة، وعلى الرغم من الاعتداءات اليومية والحصار الاقتصادي والتهديدات الصهيونية المتصاعدة، بما في ذلك استهداف شخص الرئيس الأسد، إلا أنه مجدداً يعبر عن هوية سورية المقاومة التي لن تخضع لأي ابتزاز أو ضغوط أو إغراء مقابل تخليها عن دورها في دعم القضية الفلسطينية أو تغيير سياستها الثابتة بدعم المقاومة، فإن نجح الإسرائيلي في المكان الذي أخفق به العرب والمسلمون في استثمار الأدوات والإمكانات، فإن رهان إسرائيل، وسرديات من يقف خلفها، وينطق بلسانها سقطت خلال كلمة الرئيس الأسد في قمة الرياض، فهل الرسالة وصلت لمن يهمه الأمر؟
كاتب سوري